أخرى أنه ـ عليهالسلام (١) ـ قال : «بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك» فأنزل الله ـ تعالى ـ (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى)(٢) يعني عزيرا والمسيح والملائكة. قال ابن الخطيب : واعلم أنّ سؤال ابن الزبعرى غير متوجه من وجوه :
أحدها : أنّ ذلك الخطاب كان مع مشركي مكة ، وهم كانوا يعبدون الأصنام فقط.
وثانيها : أنه لم يقل : ومن تعبدون بل قال : (وَما تَعْبُدُونَ). وكلمة «ما» لا تتناول العقلاء ، وأما قوله تعالى : (وَما بَناها)(٣) وقوله : (لا (٤) أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ)(٥) فحمول على الشيء (٦) ، ونظيره هاهنا أن يقال : إنكم والشيء الذي تعبدون من دون الله ، لكن لفظ الشيء لا يفيد العموم فلا يتوجه سؤال ابن الزبعرى.
وثالثها : أنّ من عبد الملائكة لا يدّعي أنهم آلهة وقال سبحانه (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها)(٧).
ورابعها : أنه ثبت العموم لكنه مخصوص بالدلائل العقلية والسمعية في حق الملائكة والمسيح وعزير لبراءتهم من الذنوب والمعاصي ، ووعد الله إياهم بكل مكرمة ، وهو المراد بقوله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى)(٨).
وخامسها : الجواب الذي ذكره رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو أنهم كانوا يعبدون الشياطين. فإن قيل : الشياطين عقلاء ولفظ «ما» لا يتناولهم ، فكيف قال ذلك؟ قلنا : كأنه ـ عليهالسلام (٩) ـ قال : لو ثبت لكم أنه يتناول العقلاء فسؤالكم أيضا غير لازم من هذا الوجه.
فأما ما قيل : إنه ـ عليهالسلام (١٠) ـ سكت عند إيراد ابن الزبعرى هذا (١١) السؤال ، فهو خطأ ، لأنه لا أقل من أنه ـ عليهالسلام (١) ـ كان يتنبّه لهذه الأجوبة التي ذكرها المفسرون ، لأنه أعلم منهم باللغة وبتفسير القرآن ، فكيف يجوز أن تظهر هذه الأجوبة لغيره ، ولم يظهر له منها شيء.
فإن قيل : يجوز أن يسكت عليهالسلام (١) انتظارا للبيان. قلنا : كان البيان حاضرا معه ، فلم يجز عليه السكوت ، لكي لا يتوهم عليه الانقطاع من سؤالهم.
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) تقدم قريبا.
(٣) من قوله تعالى : «وَالسَّماءِ وَما بَناها» [الشمس : ٥].
(٤) في النسختين : ولا. وهو تحريف.
(٥) [الكافرون : ٢] ، ولعله يريد قوله تعالى : «وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ» [الكافرون : ٣ ، ٥] ، فإن (ما) في الآية التي ذكرها على أصلها وهي لغير العاقل ، ولورود قوله : وَالسَّماءِ وَما بَناها وقوله : «وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ» زعم قوم منهم ابن درستويه ، وأبو عبيدة ، ومكي ، وابن خروف وقوعها على آحاد من يعقل مطلقا. انظر الهمع ١ / ٩١.
(٦) في النسختين : النفي. والصواب ما أثبته.
(٧) [الأنبياء : ٩٩].
(٨) [الأنبياء : ١٠١].
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) في ب : هل. وهو تحريف.
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.