أسباط ونصفا (١) ، وبقي سبطان ونصف ، فأوحى الله إلى شعيا (٢) النبي (٣) أن اذهب إلى حزقيل الملك ، وقل له حتى يوجه نبيا قويا أمينا ، فإني ألقي في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل. فقال الملك : ومن ترى؟ وكان في مملكته خمسة من الأنبياء ، فقال : يونس بن متى فإنه قوي أمين ، فدعا (٤) الملك يونس وأمره أن يخرج ، فقال يونس : هل أمرك الله بإخراجي؟ قال : لا. قال : هل سماني لك؟ قال : لا. قال (٥) : فهاهنا (٦) أنبياء غيري أقوياء فألحوا عليه ، فخرج مغاضبا للنبي وللملك ولقومه. فأتى بحر الروم ، فوجد قوما هيأوا سفينة فركب معهم (٧). وقال عروة بن الزبير (٨) وسعيد بن جبير وجماعة : إذ ذهب عن قومه مغاضبا لربه إذ كشف عن قومه العذاب بعد ما وعدهم. فكره أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف (٩) فيما وعدهم ، واستحيى منهم ، ولم يعلم السبب الذي به رفع العذاب عنهم ، وكان غضبه أنفة من ظهور خلف وعده ، وأن يسمى كذابا لا كراهية لحكم (١٠) الله. وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أن يقتلوا من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتلوه لما لم يأتهم العذاب للميعاد ، فغضب. والمغاضبة هاهنا هي المفاعلة التي تكون من واحد كالمسافرة والمعاقبة (١١).
فمعنى قوله : «مغاضبا» أي : غضبان. وعن ابن عباس قال : أتى جبريل يونس فقال : انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم ، قال : ألتمس دابة قال : الأمر أعجل من ذلك ، فغضب ، فانطلق إلى السفينة (١٢). وقال وهب (١٣) : إن يونس بن متى كان عبدا صالحا ، وكان في خلقه ضيق ، فلما حمل عليه أثقال النبوة تفسّخ تحتها تفسّخ الرّبع تحت الحمل الثقيل (١٤). فقذفها من يده ، وخرج هاربا منها ، فلذلك أخرجه الله من أولي العزم ، فقال لنبيه محمد ـ عليهالسلام (١٥) ـ : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)(١٦) ، وقال: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) (١٧)(١٨).
قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أي : لن نقضي عليه بالعقوبة (١٩). قال مجاهد وقتادة
__________________
(١) في النسختين ونصف. والصواب ما أثبته.
(٢) في ب : شعيب وكذا في الفخر الرازي ، وفي القرطبي : شعيا.
(٣) في ب : النبي عليه الصلاة والسلام.
(٤) في الأصل : فدع.
(٥) في ب : فإن. وهو تحريف.
(٦) في ب : ههنا.
(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٢.
(٨) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٢٣.
(٩) في ب : الحلف. وهو تصحيف.
(١٠) في ب : لحلم. وهو تحريف.
(١١) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٢٣.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٣.
(١٣) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٢٤.
(١٤) وذلك إذا لم يطقه. والربع : الفصيل إذا ولد في الربيع وكان أول النتاج.
(١٥) في ب : صلىاللهعليهوسلم.
(١٦) [الأحقاف : ٣٥].
(١٧) [القلم : ٤٨].
(١٨) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٢٤.
(١٩) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٢٤ ـ ٥٢٥.