قوله : (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) وذلك أنّ كلّ من يرحم غيره فإمّا أن يرحمه طلبا للثناء في الدنيا أو الثواب في الآخرة أو للرقة الجنسية في الطبع ، فيكون مطلوب ذلك الراحم حظ نفسه ، وأما الحق سبحانه فإنه يرحم عباده من غير طلب زيادة أو نقصان من الثناء ، ومن صفات الكمال فهو أرحم الراحمين. وأيضا فكل من رحم غيره فإنما ذلك بمعونة رحمة الله ، لأن من أعطى غيره طعاما أو ثوبا أو دفع عنه بلاء فلو لا الله ـ سبحانه ـ خلق المطعوم والملبوس والأدوية وإلا لما قدر أحد على إعطاء ذلك الشيء ولو لا فضل (١) الله لما حصل النفع بذلك ، فإذن رحمة العباد مسبوقة برحمة الله ، وملحوقة برحمته ، فما بين الطرفين كالقطرة في البحر ، فوجب أن يكون أرحم الراحمين. وأيضا فلو لا أن الله ـ تعالى ـ خلق في قلب العبد تلك الدواعي والإرادات لاستحال صدور تلك الرحمة عنه ، فكان الراحم في الحقيقة هو الحق سبحانه لأنه هو الذي أنشأ تلك الداعية فكان تعالى أرحم الراحمين. فإن قيل : كيف يكون أرحم الراحمين مع أنه ملأ الدنيا من الآفات والأسقام والأمراض والآلام ، وسلط البعض على البعض بالإيذاء ، وكان قادرا على أن يغني كل واحد عن إيلام الآخر وإيذائه؟
فالجواب : أن كونه ـ سبحانه ـ ضارا لا ينافي كونه راحما بل هو الضار النافع فإضراره ليس لدفع مشقة ، ونفعه ليس لجلب منفعة ، بل لا يسأل عما يفعل.
قوله : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) يدل على أنه دعا ربّه لكن هذا الدعاء يجوز أن يكون وقع منه على سبيل التعريض ، كما يقال : إن رأيت أو أردت أو أجبت فافعل كذا ، ويجوز أن يكون على سبيل التصريح (٢) لإزالة ما به من ضر. وبيّن تعالى أنه آتاه أهله ، ويدخل فيه من ينسب إليه من زوجة وولد وغيرهما قال ابن مسعود وابن عباس وقتادة ومقاتل والحسن والكلبي (٣) وكعب : إن الله تعالى أحيا له أهله ، يعني أولاده بأعيانهم ، وأعطاه (٤) مثلهم معهم وهو ظاهر القرآن (٥).
قال الحسن (٦) : آتاه الله المثل من نسل ماله الذي رده إليه وأهله ، ويدل عليه ما روى الضحاك عن ابن عباس : أن الله رد إلى المرأة شبابها فولدت له ستة وعشرين ذكرا. قال وهب : كان له سبع بنات وثلاثة بنين.
وقال ابن يسار : كان له سبعة بنين وسبع بنات. وروي عن أنس يرفعه : أنه كان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله سحابتين فأفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب (٧) ، وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض (٨).
__________________
(١) فضل : سقط من ب.
(٢) في ب : التضرع.
(٣) في ب : الكعبي.
(٤) في الأصل : وأعطاهم.
(٥) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠٩ ـ ٢١٠.
(٦) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥١٨ ـ ٥١٩.
(٧) في الأصل : المذهب. وهو تحريف.
(٨) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥١٨ ـ ٥١٩.