وأما قوله (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) فمن جوّز له الاجتهاد يقول (١) إنّ الذي اجتهد فيه هو عن وحي على (٢) الجملة ، وإن لم يكن ذلك (٣) على التفصيل ، وأيضا فالآية واردة في الأداء عن الله لا في حكمه الذي يكون بالعقل.
وعن الثاني : أنّ الله تعالى إذا قال له إذا غلب على ظنك كون الحكم معللا في الأصل بكذا ، ثم غلب على ظنك قيام ذلك المعنى في صورة أخرى فاحكم بمثل ذلك الحكم ، فههنا الحكم مقطوع به ، والظن غير واقع فيه بل في طريقه.
وعن الثالث : لعله ـ عليهالسلام (٤) ـ كان ممنوعا عن الاجتهاد في بعض الأنواع ، أو كان مأذونا له مطلقا ، لكنه لم يظهر له في تلك الصورة وجه الاجتهاد فتوقف.
وعن الرابع : لم لا يجوز أن يحبس النص عنه في بعض الصور فحينئذ يحصل شرط جواز الاجتهاد.
وعن الخامس : أن هذا الاحتمال (٥) مدفوع بإجماع الأمة على خلافه. ثم الذي يدل على جواز الاجتهاد لهم وجوه :
الأول : أنه ـ عليهالسلام (٦) ـ إذا (٧) غلب على ظنه أنّ الحكم في الأصل معلّل بمعنى ثم علم أو ظن قيام ذلك المعنى في صورة أخرى ، فلا بدّ وأن يغلب على ظنه أنّ (٨) حكم الله في (٩) هذه الصورة مثل ما في الأصل كقوله ـ عليهالسلام (١٠) ـ :
«أرأيت لو كان على أمّك دين فقضيته» (١١).
الثاني : قوله تعالى : «فاعتبروا» (١٢) أمر الكل بالاعتبار ، فوجب اندراج الرسول ـ عليهالسلام (١٣) ـ فيه لأنه إمام المعتبرين وأفضلهم.
الثالث : أنّ الاستنباط أرفع درجات العلماء ، فوجب أن يكون للرسول (١٤) فيه مدخل ، وإلا لكان كل واحد من المجتهدين أفضل منه في هذا الباب. فإن قيل : إنما يلزم لو لم يكن درجته أعلى من الاعتبار ، وليس الأمر كذلك لأنه كان يستدرك الأحكام وحيا على سبيل اليقين ، فكان أرفع درجة من الاجتهاد (قصاراه الظن.
فالجواب : لا يمتنع أن لا يجد النص في بعض المواضع ، فلو لم يكن من أجل
__________________
(١) في الأصل : ويقول. وهو تحريف.
(٢) في الأصل : عن.
(٣) في ب : كذلك. وهو تحريف.
(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٥) في النسختين : الاجتهاد. والصواب ما أثبته.
(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) في ب : لو.
(٨) أن : سقط من ب.
(٩) في ب : و. وهو تحريف.
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) أخرجه مسلم (صيام) ٢ / ٨٠٤.
(١٢) من قوله :«فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ» [الحشر : ٢].
(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٤) في ب : الرسول.