يريد : أي الأمرين واقع ، ولو كانت منقطعة لقدّرت ب (بل) والهمزة وليس ذلك مرادا. قوله : (الَّذِي فَطَرَهُنَّ) يجوز أن يكون مرفوع الموضع أو منصوبه على القطع. والضمير المنصوب في «فطرهنّ» للسموات والأرض (١). قال أبو حيان : ولما لم تكن السموت والأرض تبلغ في العدد الكثير منه جاء الضمير ضمير القلة (٢). قال شهاب الدين : إن عنى لم تبلغ كل واحد من السموات والأرض فمسلم ولكنه غير مراد ، بل المراد المجموع ، وإن عنى لم تبلغ المجموع منهما فغير مسلم ، لأنه يبلغ أربع عشرة ، وهو فوق حد جمع الكثرة ، اللهم إلّا أن نقول (٣) : إنّ الأرض شخص واحد وليست بسبع كالسماء على ما رآه بعضهم ، فيصح له ذلك ، ولكنه غير معول عليه (٤). وقيل : على التماثيل (٥).
قال الزمخشري : وكونه للتماثيل أثبت لتضليلهم وأدخل في الاحتجاج عليهم (٦).
وقال ابن عطية : «فطرهنّ» عبارة عنها كأنها تعقل ، وهذا من حيث لها طاعة وانقياد ، وقد وصفت في مواضع بوصف من يعقل (٧). وقال غيره : «فطرهنّ» أعاد ضمير من يعقل لما صدر منهن من الأحوال التي تدل على أنهما من قبيل من يعقل ، فإنّ الله تعالى أخبر بقوله : (أَتَيْنا طائِعِينَ)(٨) وقوله ـ عليهالسلام (٩) ـ «أطّت السماء وحقّ لها أن تئطّ (١٠)» (١١). قال شهاب الدين : كأنّ ابن عطية وهذا القائل توهما أنّ (هنّ) من الضمائر المختصة بالمؤنثات العاقلات ، وليس كذلك بل هو لفظ مشترك بين العاقلات وغيرها قال تعالى : (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)(١٢) ثم قال تعالى (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ)(١٠)(١٣).
قوله : (عَلى ذلِكُمْ) متعلق بمحذوف (١٤) أو ب «الشّاهدين» اتساعا (١٥) ، أو على
__________________
(١) انظر الكشاف ٣ / ١٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٢١.
(٢) البحر المحيط ٦ / ٣٢١.
(٣) في ب : يقال.
(٤) الدر المصون ٥ / ٥٢.
(٥) انظر الكشاف ٣ / ١٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٢١.
(٦) الكشاف ٣ / ١٤.
(٧) تفسير ابن عطية ١٠ / ١٦١.
(٨) من قوله تعالى «ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» [فصلت : ١١].
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) أخرجه الترمذي (زهد) ٤ / ٥٥٦ ، ابن ماجه (زهد) ٢ / ١٤٠٢ أحمد ٥ / ١٧٣ ، وانظر النهاية في غريب الحديث ١ / ٥٤ ، الفائق ١ / ٤٩. الأطيط : الحنين والصوت أي : أن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت.
(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٢١.
(١٢) من قوله تعالى«إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ» [التوبة : ٣٦].
(١٠) أخرجه الترمذي (زهد) ٤ / ٥٥٦ ، ابن ماجه (زهد) ٢ / ١٤٠٢ أحمد ٥ / ١٧٣ ، وانظر النهاية في غريب الحديث ١ / ٥٤ ، الفائق ١ / ٤٩. الأطيط : الحنين والصوت أي : أن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت.
(١٣) الدر المصون ٥ / ٥٢.
(١٤) انظر البيان ٢ / ١٦٢ ، والتبيان ٢ / ٩٢٠ ، البحر المحيط ٦ / ٣٢٠.
(١٥) أي : لاتساعهم في الظرف والمجرور. البحر المحيط ٦ / ٣٢١.