٣٥٩٧ ـ فأمّا عيون العاشقين فأسخنت |
|
وأمّا عيون الشّامتين فقرّت (١) |
والثاني : أنه مأخوذ من الاستقرار ، والمعنى : أعطاه الله ما يسكّن عينه فلا تطمح إلى غيره.
المعنى : فكلي من الرطب واشربي من النهر (وَقَرِّي عَيْناً) وطيبي (٢) نفسا ، وقدّم الأكل على الشرب ؛ لأن حاجة النّفساء إلى الرّطب أشدّ من احتياجها إلى شرب الماء ؛ لكثرة ما سال منها من الدّم ، قيل : (قَرِّي عَيْناً) بولدك عيسى ، وتقدّم معناه.
فإن قيل : إن مضرّة الخوف أشدّ من مضرّة الجوع والعطش ؛ لأنّ الخوف ألم الرّوح ، والجوع ألم البدن ، وألم الرّوح أقوى من ألم البدن ، يروى أنّه أجيعت شاة ، فقدّم إليها علف ، وعندها ذئب ، فبقيت الشّاة مدّة مديدة لا تتناول العلف ، مع جوعها ؛ خوفا من الذئب ، ثم كسر رجلها ، وقدم العلف إليها ، فتناولت العلف ، مع ألم البدن ؛ فدلّ ذلك على أنّ ألم الخوف أشدّ من ألم البدن ، وإذا كان كذلك ، فلم قدّم دفع ضرر الجوع والعطش على دفع ضرر الخوف؟.
فالجواب : لأنّ هذ الخوف كان قليلا ؛ لأنّ بشارة جبريل ـ صلوات الله عليه ـ كانت قد تقدّمت ، فما كانت تحتاج إلى التّذكرة مرّة أخرى.
قوله تعالى : (فَإِمَّا تَرَيِنَ) دخلت «إن» الشرطية على «ما» الزائدة للتوكيد ، فأدغمت فيها ، وكتبت متّصلة ، و«ترينّ» تقدّم تصريفه.
أي : «أن تري» ، فدخلت عليه نون التّوكيد ، فكسرت الياء ؛ لالتقاء الساكنين.
معناه : فإمّا ترينّ من البشر أحدا ، فسألك عن ولدك والعامّة على صريح الياء المكسورة ، وقرأ أبو عمرو في رواية «ترئنّ» بهمزة مكسورة بدل الياء ، وكذلك روي عنه (٣) «لترؤنّ» بإبدال الواو همزة ، قال الزمخشري : «هذا من لغة من يقول : لبأت بالحجّ ، وحلأت السّويق» ـ يعني بالهمز ـ وذلك لتآخ بين الهمز وحروف اللّين» وتجرّأ ابن خالويه على أبي عمرو ؛ فقال : «هو لحن عند أكثر النّحويّين».
وقرأ أبو جعفر قارىء المدينة ، وشيبة ، وطلحة (٤) «ترين» بياء ساكنة ، ونون خفيفة ، قال ابن جني : «وهي شاذّة». قال شهاب الدين : لأنّه كان ينبغي أن يؤثّر الجازم ، فيحذف نون الرفع ؛ كقوله الأفوه : [السريع]
٣٥٩٨ ـ إمّا تري رأسي أزرى به |
|
ماس زمان ذي انتكاث مئوس (٥) |
__________________
(١) ينظر البيت في ديوانه (٦١) ، والبحر المحيط ٦ / ١٦٢ ، والدر المصون ٤ / ٥٠٢.
(٢) سقط من أ.
(٣) ينظر في قراءاتها : الشواذ ٨٤ ، والمحتسب ٢ / ٤٢ ، والبحر ٦ / ١٧٥ والكشاف ٣ / ١٤ ، والدر المصون ٤ / ٥٠٢.
(٤) الآية رقم ٦ من التكاثر «لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ» ينظر : المحتسب ٢ / ٣٧١ ، والبحر ٦ / ١٧٥.
(٥) ينظر البيت في البحر ٦ / ١٧٥ ، القرطبي ١١ / ٦٦ ، روح المعاني ١٦ / ٨٦ ، الدر المصون ٤ / ٥٠٢.