محذوف تقديره : أفلم يبيّن الله لهم العبر وفعله بالأمم المكذبة.
قال أبو البقاء : وفي فاعله وجهان :
أحدهما : ضمير اسم الله تعالى وعلّق (بيّن) هنا ، إذا كانت بمعنى أعلم كما علقه في قوله تعالى (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ)(١)(٢).
قال أبو حيّان : و«كم» هنا خبرية ، والخبرية لا تعلّق العامل (عنها) (٣)(٤).
وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون فيه ضمير الله ، أو الرسول ، ويدل عليه القراءة بالنون (٥).
الوجه الثاني (٦) : أنّ الفاعل مضمر يفسره ما دلّ عليه من الكلام بعده ، قال الحوفي : (كَمْ أَهْلَكْنا) قد دلّ على هلاك القرون التقدير : أفلم نبيّن لهم هلاك من أهلكنا من القرون ومحونا آثارهم فيتعظوا بذلك (٧).
وقال أبو البقاء : الفاعل ما دلّ عليه «أهلكنا» أي إهلاكنا والجملة مفسرة له (٨).
الوجه الثالث (٩) : أنّ الفاعل نفس الجملة بعده.
قال الزمخشري : فاعل «لم (يَهْدِ) الجملة بعده يريد : ألم يهد لهم هذا بمعناه ومضمونه ، ونظيره قوله : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ)(١٠).
أي : تركنا عليه هذا الكلام (١١).
قال أبو حيّان : وكون الجملة فاعل «يهد» هو مذهب كوفيّ (١٢) ، وأما تشبيهه وتنظيره بقوله : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ)(١٠) فإن «تركنا» معناه معنى القول (١٣) فحكيت به الجملة ، فكأنه قيل : وقلنا عليه ، وأطلقنا عليه هذا اللفظ ، (والجملة تحكى بمعنى القول كما تحكى بالقول) (١٤)(١٥).
__________________
(١) [إبراهيم : ٤٥].
(٢) التبيان ٢ / ٩٠٧.
(٣) البحر المحيط ٦ / ٢٨٩.
(٤) في ب : عليها. وهو تحريف.
(٥) الكشاف ٢ / ٤٥١. والقراءة بالنون قراءة ابن عباس والسّلمي وغيرهما. انظر القرطبي ١١ / ٢٦٠ ، البحر المحيط ٦ / ٢٨٨.
(٦) الوجه : سقط من ب.
(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٨٩.
(٨) التبيان ٢ / ٩٠٧.
(٩) في ب : الوجه الثاني. وهو تحريف.
(١٠) الآيتان (٧٨ ، ٧٩) من سورة الصّافات. والاستشهاد بهما هو أن الجملة هنا وقعت مفعولا ، وفي الآية التي معنا وقعت فاعلا. انظر التبيان ٢ / ١٠٩٠.
(١١) الكشاف ٢ / ٥١.
(١٢) اختلف النحاة في وقوع الجملة فاعلا ، فمذهب البصريين أن الفاعل لا يكون جملة مطلقا. وهشام وثعلب أجازاه مطلقا نحو يعجبني قام زيد. والفراء وجماعة فصّلوا ذلك فقالوا : إن كان الفاعل قلبيا ووجد معلّق عن العمل نحو ظهر لي أقام زيد صحّ وإلا فلا. وقد ذكرنا ذلك عند قوله تعالى:«فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى» [طه : ١١].
(١٠) الآيتان (٧٨ ، ٧٩) من سورة الصّافات. والاستشهاد بهما هو أن الجملة هنا وقعت مفعولا ، وفي الآية التي معنا وقعت فاعلا. انظر التبيان ٢ / ١٠٩٠.
(١٣) في ب : فإن تركناه معنى القول.
(١٤) البحر المحيط ٦ / ٢٨٩.
(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.