يشفع من الملائكة. ثم قال (١)(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) يعني ما بين أيدي (٢) الملائكة كقوله في آية الكرسي (٣) ، قاله (٤) الكلبي ومقاتل.
وفيه تقريع لمن يعبد الملائكة ليشفعوا له. قال مقاتل : يعلم ما كان قبل أن يخلق الملائكة ، وما كان بعد خلقهم (٥). ومن قال : الضمير عائد إلى الذين يتبعون الداعي قال : «يعلم الله ما بين أيديهم» أي ما قدموا (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الدنيا قاله الكلبي. وقال مجاهد : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الدنيا والأعمال (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الآخرة. وقال الضحاك : يعلم ما مضى وما بقي ومتى تكون القيامة (٦). (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) قيل : الكناية راجعة إلى «ما» أي : هو يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، (ولا يعلمونه أي العباد لا يعلمون بما بين أيديهم وما خلفهم (٧)) (٨).
وقيل : الكناية راجعة إلى الله ، أي عباده لا يحيطون به علما (٩).
قوله : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) يقال : عنا يعنو إذا ذلّ وخضع وأعناه غيره أي : أذلّه ، ومنه العناة جمع عان وهو الأسير ، قال :
٣٦٩٢ ـ فيا ربّ مكروب كررت وراءه |
|
وعان فككت الغلّ عنه فقد أبى (١٠) |
وقال أمية بن أبي الصلت (١١) :
٣٦٩٣ ـ مليك على عرش السّماء مهيمن |
|
لعزّته تعنو الوجوه وتسجد (١٢) |
وفي الحديث : «فإنّهنّ (١٣) عوان» (١٤). والمعنى : أنّ ذلك اليوم تذلّ الوجوه أي :
__________________
(١) ثم : سقط من ب.
(٢) أيدي : سقط من ب.
(٣) قال تعالى :«اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ» [البقرة : ٢٥٥].
(٤) في الأصل : قال.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٩.
(٦) ينظر هذه الأقوال في الفخر الرازي ٢٢ / ١١٩.
(٧) البحر المحيط ٦ / ٢٨٠.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) انظر البغوي ٥ / ٤٥٩. وقد رجّح ابن الخطيب عود الضمير إلى «ما» فإنه قال : (والأول أولى لوجهين :
أحدهما أنّ الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات والأقرب ههنا قوله : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) وثانيهما أنه تعالى أورد ذلك مورد الزجر ليعلم أن سائر ما يقدمون عليه وما يستحقون به المجازاة معلوم لله تعالى) الفخر الرازي ٢٢ / ١١٩.
(١٠) البيت من بحر الطويل ، لم أهتد إلى قائله ، ولم أجده فيما رجعت إليه من مراجع. الغلّ : جامعة توضع في العنق أو اليد. والشاهد فيه أن (عان) هو الأسير.
(١١) واسمه عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي ، قال الأصمعي : ذهب أمية في شعره بعامة ذكر الآخرة ، وقد صدقه النبي صلىاللهعليهوسلم في بعض شعره ، ولما أنشد النبي صلىاللهعليهوسلم شعره قال : «آمن لسانه وكفر قلبه» مات سنة ٩ ه كافرا. الخزانة ١ / ٢٤٧ ـ ٢٥٣.
(١٢) البيت من بحر الطويل قاله أمية بن أبي الصلت. مليك : ذو الملك. المهين : اسم من أسماء الله في الكتب القديمة ، ومعناه الشاهد ، وهو من آمن غيره من الخوف. تعنو : تخضع وتستأسر. وهو الشاهد.
(١٣) في ب : «إنهن».
(١٤) أخرجه ابن ماجه (نكاح) ١ / ٥٩٤ ، وهو في غريب الحديث لابن الأثير ٣ / ٣١٤ وعوان جمع عانية ، وهي الأسيرة.