قال شهاب الدين : والذي أقوله إنه متى التقى التضعيف المذكور والكسرة نحو ظللت ومسست انقاس الحذف. وهل يجري الضم مجرى الكسر في ذلك؟ فالظاهر أنه يجري بل بطريق الأولى ، لأن الضم أثقل من الكسر نحو غضن يا نسوة أي اغضضن أبصاركنّ (١) ذكره ابن مالك (٢).
وأما الفتح فالحذف فيه (٣) ضعيف نحو قرن يا نسوة في المنزل ، ومنه أحد توجيهي قراءة (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)(٤) كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وأما الكسر فوجهه أنه نقل كسرة اللام إلى الفاء بعد سلبها حركتها ليدل عليها.
وأما الضمّ فيحتمل أن يكون جاء فيه لغة على فعل يفعل بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع ثم نقلت كما تقدم ذلك في الكسر. وأما «ظللت» (٥) بلامين فهذه هي الأصل ، وهي منبهة على غيرها. و«عاكفا» خبر «ظلّ».
قوله : «لنحرّقنّه» جواب قسم محذوف ، أي : والله لنحرّقنّه ، والعامة على ضم النون وكسر الراء مشددة من حرّقه يحرّقه بالتشديد (٦). وفيها تأويلان :
أحدهما : أنها من حرقه بالنار.
والثاني : أنه من حرق ناب البعير إذا وقع عضّ ببعض أنيابه على بعض ، والصوت المسموع منه يقال له (٧) الصّريف ، والمعنى لنبردنّه بالمبرد بردا (٨) يسحقه به كما يفعل البعير بأنيابه بعضها على بعض. وقرأ الحسن وقتادة وأبو جعفر «لنحرقنّه» بضم النون وسكون الحاء وكسر الراء من أحرق رباعيا (٩). وقرأ ابن عباس (١٠) وحميد وعيسى وأبو جعفر «لنحرقنّه» كذلك إلا أنه بضم الراء (١١) ، فيجوز أن يكون من حرّق وأحرق بمعنى
__________________
(١) في ب : أيضا. وهو تحريف.
(٢) الدر المصون ٥ / ٣٧. قال ابن مالك في شرح الكافية الشافية : (ومثال ذي الضم من المضاعف : (اغضضن) لو قيل فيه (غضن) قياسا على (قرن) لجاز وإن لم أره منقولا ، لأن فكّ المضموم أثقل من فك المكسور وإذا كان فك المفتوح قد فر منه إلى الحذف في (قرن) المفتوح القاف ففعل ذلك بالمضموم أحق بالجواز) ٤ / ٢١٧١.
(٣) في ب : منه. وهو تحريف.
(٤) [الأحزاب : ٣٣] فقرأ نافع وعاصم : «وقرن» بفتح القاف والباقون : «وقرن» بالكسر. السبعة : ٥٢١ ـ ٥٢٢ ، وشرح الكافية الشافية ٤ / ٢١٧٠.
(٥) في ب : وأما ظللن.
(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٧٦.
(٧) في الأصل : لها ، وفي ب : أن. وما أثبته هو الصواب.
(٨) انظر التبيان ٢ / ٩٠٣.
(٩) البحر المحيط ٦ / ٢٧٦. الإتحاف (٣٠٧).
(١٠) في ب : وقرأ ابن حميد وابن عباس.
(١١) في المحتسب ٢ / ٥٨ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٧٦ : هذه القراءة بفتح النون وسكون الحاء وضم الراء خفيفة.