قيل : حملت ، وهي بنت [ثلاث عشرة سنة](١).
وقيل : بنت عشرين ، وقد كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل ، وليس في القرآن ما يدلّ على شيء من هذه الأحوال.
قوله تعالى : (فَانْتَبَذَتْ بِهِ) : الجارّ والمجرور في محلّ نصب على الحال ، أي : انتبذت ، وهو مصاحب لها ؛ كقوله : [الوافر]
٣٥٨٥ ـ ........... |
|
تدوس بنا الجماجم والتّريبا (٢) |
والمعنى : اعتزلت ، وهو في بطنها ؛ كقوله : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] أي : تنبت ، والدّهن فيها.
(مَكاناً قَصِيًّا) : بعيدا من أهلها.
قال ابن عبّاس (٣) ـ رضي الله عنهما ـ : أقصى الوادي ، وهو وادي بيت لحم ؛ فرارا من قومها أن يعيّروها بولادتها من غير زوج (٤).
واختلفوا في علّة الانتباذ (٥)(٦) ؛ فروى الثعلبيّ في «العرائس» عن وهب قال : إنّ مريم لمّا حملت بعيسى ـ صلوات الله عليه ـ كان معها ابن عمّ لها يسمّى «يوسف النّجّار» ، وكانا منطلقين إلى المسجد الذي عند «جبل صهيون» ، وكانت مريم ويوسف يخدمان ذلك المسجد ، ولا يعلم من أهل زمانهما أحد أشدّ اجتهادا منهما ، وأوّل من عرف حمل مريم يوسف ، فتحير في أمرها ، فكلّما أراد أن يتّهمها ، ذكر صلاحها ، وعبادتها ، وأنّها لم تغب عنه ساعة قطّ ؛ فقال : إنّه قد وقع في نفسي من أمرك شيء ، وقد حرصت على كتمانه ، فغلبني ذلك ، فرأيت أنّ الكلام فيه أشفى لصدري فقالت : قل قولا جميلا.
قال : أخبريني يا مريم ، هل ينبت زرع بغير بذر؟ وهل تنبت شجرة من غير غيث؟ وهل يكون ولد من غير ذكر؟ قالت : نعم ، ألم تعلم أنّ الله تعالى أنبت الزّرع يوم خلقه من غير بذر ، وهذا البذر إنّما حصل من الزّرع الذي أنبته من غير بذر.
ألم تعلم أنّ الله أنبت الشّجرة بغير غيث ، وبالقدرة جعل الغيث حياة الشّجرة ، بعدما خلق الله كلّ واحد منها على حدة؟ أو تقول : إنّ الله لا يقدر على أن ينبت الشّجرة حتّى استعان بالماء ، ولو لا ذلك ، لم يقدر على إنباتها؟!.
قال يوسف : لا أقول هذا ، ولكنّي أقول : إنّ الله تعالى قادر على ما يشاء ، فيقول : كن فيكون ، فقالت له مريم : أو لم تعلم أنّ الله خلق آدم وامرأته حوّاء من غير ذكر ، ولا
__________________
(١) في ب : عشر.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٩٢.
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٩٢) عن ابن عباس.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٧٢.
(٦) ينظر : تفسير الرازي (٢١ / ١٧٢).