والنهي عن المنكر ، وكان مأمورا من عند أخيه موسى ـ عليهالسلام (١) ـ (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)(٢) ، فلو لم يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان مخالفا لأمر الله ولأمر موسى وذلك لا يجوز. وأما الشفقة على الخلق فلأن الإنسان يجب أن يكون مشفقا على خلق الله خصوصا على أبناء جنسه ، وأي شفقة أعظم من أن يرى جمعا يتهافتون على النار فيمنعهم (٣) منها. ولمّا ثبت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشفقة على المسلمين واجب ، ثم إن هارون ـ عليهالسلام (٤) ـ رأى القوم متهافتين على النار فلم يبال بكثرتهم بل صرح بالحق فقال : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ).
(واعلم أنّ هارون عليهالسلام سلك في هذا الوعط أحسن الوجوه ، لأنه زجرهم عن الباطل أولا بقوله : (إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) ، ثم دعاهم إلى معرفة الله ثانيا بقوله : (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ)(٥) ثم دعا ثالثا إلى النبوة (٦) بقوله : «فاتّبعوني» ثم دعاهم رابعا بقوله (وَأَطِيعُوا أَمْرِي).
وهذا هو (٧) الترتيب الجيد ، لأنه لا بد قبل كل شيء من إماطة الأذى عن الطريق ، وهو (٨) إزالة الشبهات ، ثم معرفة الله تعالى (٩) ، فإنها هي الأصل ، ثم النبوة ، ثم الشريعة ، فثبت أن هذا الترتيب أحسن الوجوه. وإنما قال : (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) فخص هذا الموضع باسم الرحمن ، تنبيها على أنهم متى تابوا قبل الله توبتهم ، لأنه هو الرحمن ، ومن رحمته أن خلصهم من آفات فرعون ، ثم إنهم لجهلهم قابلوا هذا الترتيب الحسن في (١٠) الاستدلال بالتقليد (١١) فقالوا : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) كأنهم قالوا : لا نقبل حجتك ولكن (١٢) نقبل قول موسى ، وهذه عادة المقلّد (١٣).
قوله : (إِنَّما فُتِنْتُمْ).
قرأ العامة : «إنّما فتنتم» «وإنّ (١٤) ربّكم الرّحمن» بالكسر فيهما (١٥) ، لأنها بعد القول لا بمعنى الظن (١٦) وقرأت فرقة بفتحهما (١٧) ، وخرّجت على لغة سليم ، وهي أنهم يفتحون «أنّ» بعد القول مطلقا(١٨).
__________________
(١) في ب : عليه الصّلاة والسّلام.
(٢) [الأعراف : ١٤٢].
(٣) في ب : فمنعهم.
(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٥) ما بين القوسين سقط من ب.
(٦) في ب : ثم دعاهم ثالثا فقال.
(٧) هو : سقط من ب.
(٨) في ب : وهي.
(٩) تعالى : سقط من ب.
(١٠) في ب : مكرر في الأصل.
(١١) في ب : بالاستدلال في التقليد. وهو تحريف.
(١٢) في ب : ولن. وهو تحريف.
(١٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٥ ـ ١٠٧.
(١٤) إن : سقط من ب.
(١٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٧٢.
(١٦) فيجب كسر «إن» إذا وقعت محكية بالقول ، أما إن أجري القول مجرى الظن فإنه يجب الفتح نحو : أتقول أن زيدا عاقل؟ شرح الأشموني ١ / ٢٧٥.
(١٧) في ب : بفتحها.
(١٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٧٢.