الله تعالى ، كأنه أخبر عن السامري أنه نسي الاستدلال على حدوث الأجسام ، وإنّ الإله لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء ، ثم إنه تعالى (١) بيّن المعنى الذي يجب الاستدلال به وهو قوله : (أَفَلا يَرَوْنَ) أن لا (يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) أي : لم يخطر ببالهم أن من لا يتكلم ولا ينفع ولا يضر لا يكون إلها ، ولا يكون للإله تعلق بالحالية (والمحلية (٢)) (٣).
ويجوز أن يعود على «موسى» (٤) وعلى هذا قيل : هذا قول (٥) السامري ، والمعنى أن (٦) هذا إلهكم وإله موسى ، فنسي موسى (٧) أن هذا هو الإله فذهب يطلبه في موضع آخر وهو قول الأكثرين. وقيل : فنسي وقت الموعد في الرجوع (٨).
قوله : (أَفَلا يَرَوْنَ) أن لا (يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) أي : أن العجل لا يكلمهم ، لا يجيبهم إذا دعوه ، (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً). وهذا استدلال على عدم أنه إله بأنه (٩) لا يتكلم ولا ينفع ولا يضر. وهذا يدل على أن الإله لا بد وأن يكون موصوفا بهذه الصفات ، وهو كقوله تعالى في قصة إبراهيم ـ عليهالسلام (١٠) ـ (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ)(١١) وأن موسى ـ عليهالسلام (١٢) ـ في الأكثر لا يعول (١٣) إلا على (١٤) دلائل إبراهيم (عليهالسلام) (١٥).
قوله : «أن لا يرجع» العامة على رفع «يرجع» (١٦) لأنها المخففة من الثقيلة ، ويدل على ذلك وقوع أصلها وهو المشددة في قوله : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ)(١٧).
قال الزجاج : الاختيار الرفع (١٨) بمعنى : أنه لا يرجع كقوله : (وَحَسِبُوا) أن لا (تَكُونَ فِتْنَةٌ)(١٩) بمعنى : أنه لا تكون.
__________________
(١) تعالى : سقط من ب.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٤.
(٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(٤) انظر البيان ٢ / ١٥٢ ـ ١٥٣ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٦٩.
(٥) في ب : كلام.
(٦) أن : سقط من ب.
(٧) موسى : سقط من الأصل.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٤.
(٩) في ب : وبأنه.
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) [مريم : ٤٢].
(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٣) في ب : لا يقول. وهو تحريف.
(١٤) في ب : إلى. وهو تحريف.
(١٥) ما بين القوسين سقط من ب. وانظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٤.
(١٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٩.
(١٧) [الأعراف : ١٤٨]. وذلك أنّ «أن» إذا وقعت بعد علم ونحوه من أفعال اليقين فهي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ، والتقدير : أنّه لا يرجع. شرح الأشموني ٣ / ٢٨٢.
(١٨) قال الزجاج : (والاختيار مع رأيت وعلمت وظننت أن لا يفعل ، في معنى : قد علمت أنه لا يفعل) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٧٣.
(١٩) [المائدة : ٧١].