والثاني : أن فعل النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذا خرج مخرج البيان للمجمل (١) كان حجة ، وهذا (٢) الفعل خرج بيانا لمجمل قوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)(٣) ولهذا قالوا : إن الفوائت إذا كانت قليلة يجب مراعاة الترتيب فيها ، فإذا كثرت سقط الترتيب للمشقة. وأما الأثر : فروي عن ابن عمر أنه قال : «من فاته صلاة فلم يذكرها إلا في صلاة الإمام فليمض في صلاته ، فإذا قضى صلاته مع الإمام يصلّي ما فاته ، ثم ليعد (٤) التي صلاها مع الإمام» (٥) وروي ذلك مرفوعا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم.
وأما القياس : فإنهما (٦) صلاتا فرض جمعهما وقت واحد (٧) في اليوم والليلة ، فأشبهتا صلاتي (٨) عرفة والمزدلفة ، فلما لم يجب إسقاط الترتيب فيهما ، وجب أن يكون حكم الفوائت فيما (٩) دون اليوم والليلة كذلك. واحتج الشافعي رحمهالله (١٠) بما روى أبو قتادة (١١) : «أنّهم لمّا ناموا عن صلاة الفجر ثمّ انتبهوا بعد طلوع الشّمس أمرهم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يقودوا رواحلهم (١٢) ثمّ صلّاها». ولو كان وقت التذكير (١٣) معينا للصلاة لما جاز ذلك ، فعلمنا أن ذلك الوقت وقت (١٤) لتقرر الوجوب عليه ، لكن لا على سبيل التضييق بل على سبيل التوسع ، وإذا ثبت هذا فنقول : إيجاب قضاء الفوائت ، وإيجاب أداء (١٥) فرض الوقت الحاضر يجري مجرى التخيير (١٦) بين الواجبين ، فوجب أن يكون المكلف مخيرا في تقديم أيهما شاء ، ولأنه لو كان الترتيب واجبا في الفوائت لما سقط بالنسيان ، ألا ترى أنه إذا صلى الظهر والعصر بعرفة في (١٧) يوم غيم ، ثم تبين أنه صلى الظهر قبل الزوال (والعصر بعد الزوال) (١٨) فإنه يعيدهما جميعا ، ولم يسقط الترتيب بالنسيان لما
__________________
(١) في ب : المجمل. وهو تحريف.
(٢) في ب : وكان. وهو تحريف.
(٣) قوله :«أَقِيمُوا الصَّلاةَ»ورد في القرآن إحدى عشرة مرة أولها : «وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ» [البقرة : ٤٣].
(٤) في ب : ليعيد.
(٥) أخرجه الإمام مالك في الموطأ (قصر الصلاة في السفر) ١ / ١٦٨.
(٦) في ب : فلأنها.
(٧) في ب : وقتا واحدا.
(٨) في ب : فأشبها صلاة. وهو تحريف.
(٩) في ب : فيهما. وهو تحريف.
(١٠) في ب : الله تعالى.
(١١) هو أبو قتادة الأنصاري السلمي ، فارس رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ اسمه الحارث بن ربعي ، شهد أحدا والمشاهد ، أخذ عنه ابنه عبد الله ، وابن المسيب ومولاه نافع وخلق. مات سنة ٥٤ ه بالمدينة.
خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٣ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩.
(١٢) في ب : أن يعودوا أرواحهم. وهو تحريف.
(١٣) في النسختين : الصلاة. وما أثبتناه هو الصواب.
(١٤) في ب : ورما. وهو تحريف.
(١٥) في ب : قضاء. وهو تحريف.
(١٦) في ب : التخير.
(١٧) في : سقط من ب.
(١٨) ما بين القوسين سقط من ب.