أحدهما : أن يكون المراد الجنس كقوله : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ)(١).
فإن قيل : كلهم غير قائلين بذلك ، فكيف يصح هذا القول؟.
فالجواب من وجهين : الأول : أنّ (٢) هذه المقولة لمّا كانت موجودة في جنسهم صحّ اسنادها إلى جميعهم ، كما يقال : بنو فلان قتلوا فلانا ، وإنما القاتل رجل منهم (٣).
الثاني : أنّ هذا الاستبعاد موجود ابتداء في طبع كل أحد إلّا أنّ بعضهم تركه للدلالة القاطعة على صحة القول به.
القول الثاني (٤) : أنّ المراد بالإنسان شخص معين ، فقيل : أبيّ بن خلف الجمحي.
وقيل : أبو جهل. وقيل : المراد جنس الكفار القائلين بعدم البعث (٥).
ثم إن الله ـ تعالى ـ أقام الدلالة على صحة البعث فقال : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ) الآية (٦) قرأ نافع (٧) ، وابن عامر (٨) ، وعاصم (٩) ، وجماعة : «يذكر» مضارع ذكر.
والباقون بالتشديد (١٠) مضارع تذكّر. والأصل : يتذكر ، فأدغمت التاء في الذال (١١).
__________________
(١) من قوله تعالى : «هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً» [الإنسان : ١].
(٢) في ب : لما كانت.
(٣) في ب : بنوا فلان تغلبوا طبع كل أحد الأقوال وإنما قاله رجل منهم. وهو تحريف ، وفي الأصل : بنوا.
وهو تحريف.
(٤) في الأصل : الثالث. وهو تحريف.
(٥) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢١ / ٢٤١ ـ ٢٤٢.
(٦) في ب : فقال أولا قوله تعالى : «أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً».
(٧) هو نافع بن عبد الرحمن بن نعيم أبو رويم ، أحد القراء السبعة ، وإليه انتهت رئاسة القراءة بالمدينة أخذ القراءة عرضا عن جماعة من تابعي أهل المدينة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وأبي جعفر القارىء ، وغيرهما ، وروى القراءة عنه عرضا وسماعا إسماعيل بن جعفر وعيسى ½بن وردان ، وغيرهما. مات سنة ١٦٩ ه.
طبقات القراء ٢ / ٣٣٠ ـ ٣٣٤.
(٨) هو عبد الله بن عامر اليحصبي ، إمام أهل الشام في القراءة ، أحد القراء السبعة ، وكان أسنهم وأعلاهم سندا ، قرأ على جماعة من الصحابة ، وقيل : قرأ على عثمان بن عفان ، مات سنة ١١٨ ه. طبقات القراء ١ / ٤٢٣ ـ ٤٢٥.
(٩) تقدم.
(١٠) السبعة (٤١٠) ، الحجة لابن خالويه (٢٣٨) ، الكشف ٢ / ٩٠ ، النشر ٢ / ٣١٨ ، الإتحاف ٣٠٠. فمن قرأ بالتخفيف جعله من الذكر الذي يكون عقيب النسيان ، ومن قرأ بالتشديد جعله من التذكر الذي هو بمعنى التدبر.
(١١) قال سيبويه : (ومما يدغم إذا كان الحرفان من مخرج واحد ، وإذا تقارب المخرجان قولهم : يطّوّعون في يتطوّعون ، ويذّكرون في يتذكرون ، ويسّمّعون في يتسمّعون ، الإدغام في هذا أقوى ، إذ كان يكون في الانفصال ، والبيان فيهما عربيّ حسن لأنهما متحركان ، كما حسن في يختصمون ويهتدون. وتصديق الإدغام قوله تعالى : «يَطَّيَّرُوا بِمُوسى» «ويذكرون» الكتاب ٤ / ٤٧٤ ـ ٤٧٥.