أو على المبالغة ، أو على حذف مضاف. وقرأ ابن عباس بالضاد معجمة مفتوحة أو ساكنة (١) وهو أيضا ما يرمى به في النار (٢) ، ومنه المحضب عود يحرّك به النار لتوقد ، وأنشد :
٣٧٣٩ ـ فلا تك في حربنا محضبا |
|
فتجعل قومك شتّى شعوبا (٣) |
وقرأ أمير المؤمنين وأبيّ وعائشة وابن الزبير «حطب» بالطاء (٤) ، ولا أظنها إلا تفسيرا لا قراءة (٥).
فصل
المعنى «إنّكم» أيّها المشركون (وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعني الأصنام (حَصَبُ جَهَنَّمَ) أي: وقودها ، وهذا تشبيه (٦). وأصل الحصب الرمي (٧) ، قال تعالى : (أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً)(٨) أي : ريحا ترميهم بالحجارة.
قوله : (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ). جوز أبو البقاء في هذه الجملة ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون بدلا من (حَصَبُ جَهَنَّمَ)(٩).
يعني : أن الجملة بدل من المفرد الواقع خبرا ، وإبدال الجملة من المفرد إذا كان أحدهما بمعنى الآخر ، جائز ، إذ التقدير : إنكم أنتم لها واردون (١٠).
__________________
(١) المختصر (٩٣). المحتسب ٢ / ٦٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٤٠.
(٢) أي : أن الحضب : الحطب ، ففيه ثلاث لغات : حطب ، وحضب ، وحصب. المحتسب ٢ / ٦٧.
(٣) البيت من بحر المتقارب قاله الأعشى ، وليس في ديوانه ، وهو في المحتسب ٢ / ٦٧ واللسان (حضب) ، تفسير ابن عطية : ١٠ / ٢١٠ ، البحر المحيط ٦ / ٣٤٠. المحضب : المسعر ، وهو عود تحرك به النار عند الإيقاد. يقول : لا تحرك الفتنة وتشعل نار الحرب فتفرق قومك وتجعلهم شعوبا مختلفة.
(٤) المحتسب ٢ / ٦٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٤٠.
(٥) في ب : تلاوة.
(٦) انظر البغوي ٥ / ٥٣٤ ـ ٥٣٥.
فالمراد يقذفون في نار جهنم ، فشبههم بالحصباء التي يرمى بها الشيء فلما رمي بها كرمي الحصباء جعلهم حصب جهنم تشبيها. الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٤.
(٧) الكشاف ٣ / ٢١.
(٨) من قوله تعالى : «إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ» [القمر : ٣٤].
(٩) انظر التبيان ٢ / ٩٢٨.
(١٠) وذلك أن ابن جني والزمخشري وابن مالك أجازوا إبدال الجملة من المفرد كقول الفرزدق :
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة |
|
وبالشام أخرى كيف يلتقيان |
أبدل (كيف يلتقيان) من (حاجة) و(أخرى) أي : إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما ، وجعل منه ابن مالك : عرفت زيدا أبو من هو. وذكر الأزهري أنه بدل كل ، والظاهر أنه بدل اشتمال. وإنما صح ذلك لرجوع الجملة إلى التقدير بالمفرد. انظر شرح التصريح ٢ / ١٦٢ ـ ١٦٣ ، الهمع ٢ / ١٢٨ ، شرح الأشموني ٣ / ١٣٢.