وحسن ذلك أنه قابل (وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) وهو بغير تاء فتقع الموازنة بين قوله (وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ). وقال الزجاج : حذفت التاء من إقامة ، لأنّ الإضافة عوض عنها (١). وهذا قول الفراء زعم أنّ التاء تحذف للإضافة كالتنوين (٢)(٣).
وقد تقدّم بسط القول في ذلك عند قراءة من قرأ في براءة (عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ)(٤).
قوله تعالى : (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)(٧٥)
قوله تعالى : (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) الآية.
في الواو في قوله (٥) : «ولوطا» قولان :
أحدهما : قال الزجاج : إنّه عطف على قوله (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ)(٦).
والثاني : قال أبو مسلم : إنه عطف على قوله (آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ)(٧) ولا بدّ من ضمير في قوله : «ولوطا» كأنه قال : وآتينا لوطا (٨) ، فهو منصوب بفعل مقدر يفسره الظاهر بعده تقديره : وآتينا لوطا آتيناه ، فهي من الاشتغال (٩) والنصب في مثله هو الراجح ، ولذلك لم يقرأ إلا به لعطف جملته على جملة فعلية وهو أحد المرجحات (١٠).
__________________
(١) قال الزجاج : (إقام مفرد (بدون تاء) قليل في اللغة ، تقول : أقمت إقامة ، فأما إقام الصلاة فجائز ، لأنّ الإضافة عوض من الهاء) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٩٨.
(٢) قال الفراء : (فإنّ المصدر من ذوات الثلاثة إذا قلت : أفعلت كقيلك أقمت وأجرت وأجبت يقال فيه كله : إقامة وإجارة وإجابة لا يسقط منه الهاء. وإنما أدخلت لأنّ الحرف قد سقطت منه العين ، كان ينبغي أن يقال : أقمته إقواما وإجوابا فلما سكّنت الواو وبعدها ألف الإفعال فسكنتا سقطت الأولى منهما ، فجعلوا فيه الهاء كأنها تكثير للحرف ، ومثله مما أسقط منه بعضه فجعلت فيه الهاء قولهم : وعدته عدة ووجدت في المال جدة ، وزنة ودية ، وما أشبه ذلك ، لما أسقطت الواو من أوله كثّر من آخره بالهاء ، وإنما استجيز سقوط الهاء من قوله : (وَإِقامَ الصَّلاةِ) لإضافتهم إياه ، وقالوا : الخافض وما خفض بمنزلة الحرف الواحد) معاني القرآن ٢ / ٢٥٤.
(٣) البحر المحيط ٦ / ٣٢٩.
(٤) من قوله تعالى : «وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ» [التوبة : ٤٦]. قرأ معاوية بن أبي سفيان «لأعدوا له عدده» هاء كناية وزر بن حبيش «لأعدوا له عدّة» بكسر العين كناية أيضا. وعنه أيضا «عدّة» انظر المختصر (٥٣) وانظر اللباب ٤ / ٢١٧ ـ ٢١٨.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٢.
(٦) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٩٨.
(٧) الآية [٥١] من السورة نفسها.
(٨) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٢.
(٩) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٠٧ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٩٨. ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٥ ، البيان ٢ / ١٦٣ ، التبيان ٢ / ٩٢٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣٢٩.
(١٠) وذلك أنه من الأمور التي يترجح فيها نصب الاسم المشغول عنه أن يقع الاسم بعد عاطف غير مفصول بأما مسبوق يفعل غير مبني على اسم ، كقام زيد وعمرا أكرمته ، ورجح النصب طلبا للمناسبة ـ