الأول : «يخشون» أي : يخافون ربهم ولم يروه فيأتمرون بأوامره ، وينتهون عن نواهيه.
وثانيها : يخشون ربهم وهم غائبون عن الآخرة وأحكامها.
وثالثها : يخشون ربهم في الخلوات إذا غابوا عن الناس (١)(وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) خائفون. ثم قال : ولما أنزلت عليه الفرقان فكذلك هذا القرآن المنزل عليك وهو معنى قوله : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ) يعني: القرآن «ذكر» لمن تذكر به «مبارك» يتبرك به ، ويطلب منه الخير ، «أفأنتم» يا أهل مكة (لَهُ مُنْكِرُونَ) جاحدون ، استفهام إنكار وتوبيخ (٢) ، والمعنى : لا إنكار في إنزاله وفي عجائب ما فيه.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)(٥٦)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) الآية. «رشده» مفعول ثان.
وقرأ العامة «رشده» بضم الراء وسكون الشين. وعيسى الثقفي بفتحها (٣). والرّشد والرّشد كالعدم والعدم (٤) ، وقد تقدم الكلام عليهما (٥). والمراد بالرّشد (٦) : النبوة لقوله (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) ، لأنه تعالى إنّما يخص بالنبوة من يعلم من حاله أنه في المستقبل يقوم بحقها ويجتنب ما لا (٧) يليق بها ويحترز عما ينفر قومه من القبول.
وقيل : الرّشد : الاهتداء لوجوه الصلاح في الدين والدنيا لقوله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً)(٨) وقيل : يدخل تحت الرشد النبوة والاهتداء (٩).
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٩. وفي ب : الساعة. وهو تحريف.
(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٧.
(٣) المختصر (٩٢) ، البحر المحيط ٦ / ٣٢٠. وفي ب بفتحها. وهو تحريف.
(٤) في ب : والعدم كالعدم. وهو تحريف. الرّشد والرّشد نقيض الغيّ ، رشد الإنسان بالفتح يرشد رشدا ، ورشد بالكسر يرشد رشدا. اللسان (رشد).
العَدَم والعُدْم والعُدُم فقدان الشيء وذهابه ، وغلب على فقد المال وقلته عدمه يعدمه عدما وعدما.
اللسان (عدم).
(٥) عند قوله تعالى : «وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ» [الأعراف : ١٤٦] ، وذكر هناك أنهما لغتان في المصدر كالبخل والبخل والسّقم والسّقم ، وقال أبو عمرو بن العلاء الرشد بضم وسكون الصلاح في النظر ، وبفتحتين الدين. انظر اللباب ٤ / ٩٩.
(٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠.
(٧) لا : سقط من الأصل.
(٨) [النساء : ٦].
(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠.