لأنه في معنى النار التي وعدوها قاله الزمخشري (١). وفيه تكلّف (٢). وقرأ الأعمش : «بل يأتيهم» بياء الغيبة «بغتة» بفتح الغين «فيبهتهم» بالياء أيضا (٣). فأما الياء فأعاد الضمير على الحين أو على الوعد (٤) ، وقيل : على «النّار» وإنما ذكر ضميرها ، لأنها في معنى العذاب ، ثم راعى لفظ «النّار» فأنث في قوله «ردّها» (٥). وقوله (بَلْ تَأْتِيهِمْ) إضراب انتقال (٦).
وقال ابن عطية : «بل» استدراك مقدّر قبله نفي تقديره : إنّ الآيات لا تأتي على حسب اقتراحهم (٧). وفيه نظر ، لأنه يصير التقدير : لا تأتيهم الآيات على حسب اقتراحهم بل تأتيهم بغتة ، فيكون الظاهر أن الآيات تأتي بغتة ، وليس ذلك مرادا قطعا. وإن أراد أن يكون التقدير : بل تأتيهم الساعة أو النار ، فليس مطابقا لقاعدة الإضراب.
فصل (٨)
لما بين شدة هذا العقاب بين أن وقت مجيئه غير معلوم لهم (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً) وهم غير محتسبين ولا مستعدين «فتبهتهم» أي : تدعهم حيارى واقفين (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) في ردها ، (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي لا يمهلون لتوبة أو معذرة. وإنما لم يعلم المكلفين وقت الموت (والقيامة لما) (٩) فيه من المصلحة ، لأن المرء مع كتمان ذلك أشد (١٠) حذرا وأقرب إلى التلافي.
ثم ذكر الوجه الثاني في دفع الحزن عن قلب الرسول ـ عليهالسلام (١١) ـ فقال : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : عقوبة استهزائهم. و«حاق» وحقّ بمعنى (١٢) كزال (١٣) وزلّ (١٤) ، والمعنى : فكذلك يحيق بهؤلاء وبال استهزائهم.
__________________
(١) انظر الكشاف ٣ / ١٢.
(٢) من جهة تأويل «الوعد» بمعنى النار ، فعوده إلى «النار» من غير تأويل أولى.
(٣) المختصر : (٩١) ، والكشاف ٣ / ١٢ ، والبحر المحيط ٦ / ٣١٤.
(٤) في الأصل : الوقت ، وهو تحريف. وانظر الكشاف ٣ / ١٢.
(٥) قاله أبو الفضل الرازي. انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٤.
(٦) وذلك أن الله حكى عنهم أنهم يستعجلون العذاب الموعود بقوله : «وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ»وبيّن أن سبب ذلك الاستعجال هو عدم علمهم بهول وقت وقوعه وما فيه من العذاب الشديد ، ثم أضرب وانتقل من بيان السبب إلى بيان كيفية وقوع الموعود فقال : «بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً».
(٧) تفسير ابن عطية ١٠ / ١٥٣.
(٨) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٣.
(٩) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٠) في ب : أشدا. وهو تحريف.
(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٢) وذلك أن حاق بهم العذاب أي أحاط ونزل كأنه وجب عليهم. وحقّ الأمر يحِقّ ويحُقّ حقّا وحقوقا : صار حقّا وثبت (اللسان : حيق ـ حقق).
(١٣) في النسختين : زال. وما أثبته هو الصواب.
(١٤) وذلك أن زال الشيء عن مكانه يزول زوالا وأزاله غيره وزوله فانزال. وزل السهم عن الدرع والإنسان عن الصخرة يزلّ ويزلّ زلا وزليلا ومزلّة : زلق. (اللسان : زول ـ زلل).