بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة مريم
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى : (كهيعص)(١)
اعلم أنّ حروف المعجم على نوعين : ثنائي ، وثلاثي ، وقد جرت العادة ـ عادة العرب ـ أن ينطقوا بالثنائيّات المقطوعة ممالة ، فيقولوا : با ، تا ، ثا ، وكذلك أمثالها ، وأن ينطقوا بالثلاثيّات التي في وسطها الألف مفتوحة مشبعة ، فيقولون : دال ذال ، صاد ، ضاد ، وكذلك أشكالها.
أما الزّاي وحده من بين حروف المعجم ، فمعتاد فيه الأمران ؛ فإنّ من أظهر ياءه في النّطق حتّى يصير ثلاثيّا ، لم يمله ، ومن لم يظهر ياءه في النطق ؛ حتّى يشبه الثنائيّ ، أماله.
واعلم أنّ إشباع الفتحة في جميع المواضع أصل ، والإمالة فرع عليه ؛ ولذلك يجوز إشباع كلّ ممال ، ولا يجوز إمالة كلّ مشبع من المفتوحات.
والعامّة على تسكين أواخر هذه الأحرف المقطعة ، لذلك كان بعض القرّاء يقف على كلّ حرف منها وقفة يسيرة مبالغة في تمييز بعضها من بعض.
وقرأ (١) [الحسن] «كاف» بالضمّ ؛ كأنه جعلها معربة ، ومنعها من الصّرف ؛ للعلميّة والتأنيث ، وللقراء خلاف في إمالة «يا» [و«ها»] وتفخيمهما ، وبعضهم يعبّر عن التفخيم بالضمّ ، كما يعبّر عن الإمالة بالكسر ، وإنما ذكرته ؛ لأنّ عبارتهم في ذلك موهمة.
وأظهر دال «صاد» قبل ذال «ذكر» نافع ، وابن كثير ، وعاصم ؛ لأنه الأصل ، وأدغمها فيها الباقون.
والمشهور إخفاء نون «عين» قبل الصّاد ؛ لأنها تقاربها ، ويشتركان في الفم ، وبعضهم يظهرها ؛ لأنها حروف مقطعة يقصدون تمييز بعضها من بعض.
__________________
(١) ينظر : الإتحاف ٢ / ٢٣٢ ، والقرطبي ١١ / ٥١ ، والكشاف ٣ / ٣ ، والبحر ٦ / ١٧٦٣ ، والدر المصون ٤ / ٤٨٩.