ومنهم من قال : إنّما حصل طريق واحد (١) لقوله : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) ويمكن حمله على الجنس.
الثاني : أن قول بني إسرائيل بعد أن أظهر الله لهم الطرق وبينها تعنتوا وقالوا نريد أن يرى بعضنا بعضا فهذا كالبعيد ، لأن القوم لما أبصروا مجيء فرعون صاروا في نهاية الخوف (٢) ، والخائف إذا وجد طريق الفرار والخلاص كيف يتفرغ للتعنت البارد (٣).
الثالث : أنّ فرعون كان عاقلا بل كان في نهاية الدهاء (٤) فكيف اختار إلقاء نفسه في التهلكة (٥) ، فإنه كان يعلم من نفسه أن انفلاق (٦) البحر ليس بأمره ، وذكروا (٧) عند هذا وجهين (٨) :
أحدهما : أنّ جبريل ـ عليهالسلام ـ كان على الرّمكة (٩) فتبعه فرس فرعون. ولقائل أن يقول : هذا بعيد ، لأنه يبعد أن يكون خوض الملك في أمثال هذه المواضع مقدما على خوض جميع العسكر. وأيضا فلو كان الأمر على ما قالوا لكان فرعون في ذلك الدخول كالمجبور ، وذلك مما يزيده خوفا ، ويحمله عن الإمساك على الدخول. وأيضا : فأيّ حاجة لجبريل عليهالسلام إلى هذه الحيلة ، وقد كان يمكنه أن يأخذه مع فرسه ويرميه في الماء ابتداء؟ بل الأولى أن يقال : إنه أمر مقدمة العسكر بالدخول فدخلوا وما غرقوا (١٠) فغلب على ظنه السلامة ، فلما دخل (١١) أغرقهم الله.
الرابع : أن قولهم عن جبريل إنه كان يدسه في الماء والطين خوفا من (١٢) أن يؤمن فبعيد ، لأن المنع من الإيمان لا يليق بالملائكة والأنبياء.
الخامس : روي أن موسى عليهالسلام (١٣) كلّم البحر فقال انفلق (١٤) لي لأعبر (١٥) ، فقال البحر : لا يمرّ عليّ رجل عاص. وهذا (١٦) غير ممتنع على أصول أهل السنة ، لأن عندهم البنية ليست شرطا للحياة ، وعند المعتزلة أن ذلك على لسان الحال لا على (١٧) لسان المقال (١٨).
__________________
(١) في ب : واحد.
(٢) في ب : شدة.
(٣) في ب : كيف يتخلص ويتفرغ للتعنف البارد. وهو تحريف.
(٤) في ب : الدعاء. وهو تحريف.
(٥) في التهلكة : سقط من ب.
(٦) في ب : انقلاب. وهو تحريف.
(٧) في ب : ذكروا.
(٨) في ب : بوجهين. وهو تحريف.
(٩) الرّمكة : الفرس والبرذونة التي تتخذ للنسل ، معرب والجمع رمك وأرماك جمع الجمع الجوهري : الرّمكة :
الأنثى من البراذين ، والجمع رماك ورمكات وأرماك (عن الفراء) مثل ثمار وأثمار. اللسان (رمك).
(١٠) في ب : وما عرفوا. وهو تصحيف.
(١١) في ب : فلمّا دخلوا. وهو تحريف.
(١٢) من : سقط من الأصل.
(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٤) في ب : الفرق. وهو تحريف.
(١٥) في ب : لا غيره. وهو تحريف.
(١٦) في ب : وهو.
(١٧) في ب : لا على سبيل.
(١٨) الفخر الرازي ٢٢ / ٩٤.