جميع الأمارات الاجتهاديّة على دليله ، وإن اخذ من باب الظنّ فالظاهر أنّه لا تأمّل لأحد في أنّ المأخوذ في إفادته للظنّ عدم وجود أمارة في مورده على خلافه. ولذا ذكر العضدي في دليله : «أنّ ما كان سابقا ولم يظنّ عدمه فهو مظنون البقاء».
ولما ذكرنا لم نر أحدا من العلماء قدّم الاستصحاب على أمارة مخالفة له بعد اعترافه بحجّيّتها لو لا الاستصحاب ، لا في الأحكام ولا في الموضوعات. وأمّا ما استشهد به قدسسره ـ من
____________________________________
ـ فلا وجه لورود ذلك ، لأن الاستصحاب إن اخذ من باب التعبّد ، فقد عرفت حكومة أدلة جميع الأمارات الاجتهاديّة على دليله.
فلا يوجد مورد يترجّح فيه الاستصحاب على الدليل أو لا يترجّح أحدهما على الآخر ، بل دائما يتقدّم الدليل على الاستصحاب من باب الحكومة.
وإن اخذ من باب الظنّ فالظاهر أنّه لا تأمّل لأحد في أنّ المأخوذ في إفادته للظنّ عدم وجود أمارة في مورده على خلافه.
بمعنى أنّهم اعتبروه من باب الظنّ واعتبروا عدم قيام أمارة معتبرة على خلافه.
توضيح ذلك ـ على ما في شرح الاعتمادي دام ظله ـ أنّ بعضهم اعتبر الاستصحاب من باب الظنّ الشخصي ، فعليه إذا اقتضى الاستصحاب طهارة شيء مثلا وقامت البيّنة على نجاسته ، فإن منعت البيّنة عن حصول الظنّ من الاستصحاب تكون واردة عليه ، وإلّا تكون حاكمة لما سنذكره.
وبعضهم اعتبره من باب الظنّ النوعي ، فعليه تكون البيّنة حاكمة على الاستصحاب لما سنذكره. وبعضهم اعتبره من باب الظنّ النوعي مع عدم قيام ظنّ على خلافه ، فعليه إن أفادت البيّنة الظنّ الشخصي بالخلاف تكون ـ أيضا ـ واردة عليه ، وإلّا تكون حاكمة.
والوجه أنّ كلّ من قال باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ بأحد الوجوه الثلاثة المذكورة ، لاحظ عدم قيام أمارة معتبرة على خلافه.
ولما ذكرنا لم نر أحدا من العلماء قدّم الاستصحاب على أمارة مخالفة له بعد اعترافه بحجّيّتها لو لا الاستصحاب.
أي : لم نر أحدا ممّن اعترف باعتبار البيّنة في صورة عدم معارضتها مع الاستصحاب قدّم الاستصحاب عليها.