وعدمه عند العرف في حكم الحالات المتبادلة لذلك الواجب المشكوك في مدخليّتها ، وهذا نظير استصحاب الكرّيّة في ماء نقص منه مقدار فشكّ في بقائه على الكرّيّة ، فيقال : هذا الماء كان كرّا ، والأصل بقاء كرّيته ، مع أنّ هذا الشخص الموجود الباقي لم يعلم بكرّيّته ، وكذا استصحاب القلّة في ماء زيد عليه مقدار.
وهنا توجيه ثالث : وهو استصحاب الوجوب النفسي المردّد بين تعلّقه سابقا بالمركّب ، على أن يكون المفقود جزء له مطلقا فيسقط الوجوب بتعذّره ، وبين تعلّقه بالمركّب على أن يكون الجزء جزء اختياريّا يبقى التكليف بعد تعذّره ، والأصل بقاؤه ، فيثبت به تعلّقه بالمركّب
____________________________________
كما إذا أمر الشارع مثلا بالصلاة المركّبة من عشرة أجزاء منها السورة ، تكون الصلاة الفاقدة للسورة في نظر العرف هي الصلاة الواجدة لها ، بمعنى أنّ الموضوع في نظر العرف هو المركّب الأعمّ من واجد السورة وفاقدها ، ووجود السورة وعدمها يكون من قبيل الحالات المتبادلة للموضوع ، كحصول زيد يوم الجمعة ويوم السبت وغيرهما.
وحينئذ يقال : إنّ هذا الجزء الذي وجوده وعدمه من قبيل الحالات المتبادلة للموضوع هل هو واجب مطلقا فيسقط الأمر بالصلاة بتعذّره ، أو واجب حال التمكّن فيبقى الأمر بها عند تعذّره فيستصحب الوجوب النفسي الثابت للصلاة قبل تعذّره؟.
وهذا نظير استصحاب الكرّيّة في كون الموضوع باقيا بالتسامح العرفي لا بالدقّة العقليّة وكذلك استصحاب القلّة.
فالمتحصّل من الجميع أنّ المستصحب في التوجيه الأوّل هو مطلق الوجوب الجامع بين النفسي والغيري ، وفي هذا التوجيه هو الوجوب النفسي. وقد أشار إلى التوجيه الثالث بقوله :
وهنا توجيه ثالث.
والفرق بين هذا التوجيه والتوجيه الأوّل هو نفس الفرق بينه وبين التوجيه الثاني ، من حيث كون المستصحب في الأوّل مطلق الوجوب ، وفيهما الوجوب النفسي ، ثمّ الفرق بين الثالث والثاني هو متعلّق الحكم في التوجيه الثاني ، كان مبيّنا ومعيّنا وهو الباقي ، ومتعلّق الحكم في الثالث يكون مجملا ، كما أشار إليه بقوله :
المردّد بين تعلّقه سابقا بالمركّب على أن يكون المفقود جزء له مطلقا فيسقط الوجوب