الثالث : إنّ هذا الأصل إنّما يثبت صحّة الفعل إذا وقع الشكّ في بعض الامور المعتبرة شرعا في صحّته ، بمعنى : ترتّب الأثر المقصود منه عليه ، فصحّة كلّ شيء بحسبه.
____________________________________
الثالث : يبيّن المصنف قدسسره في هذا الأمر الثالث ما يترتّب على صحّة الفعل من الأثر المقصود منه ، مشيرا إلى القاعدة الكلّية في صحّة كلّ شيء بقوله :
فصحّة كلّ شيء بحسبه.
فيفرّق بين صحّة ما هو المركّب كالعقد المركّب من الإيجاب والقبول ، وبين صحّة جزء ذلك المركّب كالإيجاب مثلا ، حيث تكون صحّة المركّب فعليّة وصحّة الجزء تأهليّة ، فصحّة الإيجاب عبارة عن كونه واجدا للشرائط المعتبرة فيه ، ككونه بصيغة الماضي واللغة العربية وغير ذلك ، بحيث لو انضم إليه القبول واحرز جميع ما يعتبر في العقد لكان العقد صحيحا.
وأمّا تحقّق القبول بعده فليس من شرائط صحّة الإيجاب ، بل الإيجاب إن وقع واجدا لما يعتبر فيه كان صحيحا ، وقع بعده القبول أم لم يقع ، إذ صحّة الإيجاب تأهليّة لا تتوقّف على تحقّق القبول ، فليس معنى صحّة الإيجاب وقوع القبول بعده ، كما أنّه ليس معنى صحّة القبول وقوع الإيجاب قبله.
ومن هنا ظهر أنّه لا يثبت وقوع القبول بأصالة الصحّة في الإيجاب لما عرفت من أنّ القبول ليس معتبرا في الإيجاب ، بل أنّه معتبر في العقد ، فحينئذ لا تترتّب آثار العقد بجريان أصالة الصحّة في الإيجاب إلّا بعد إحراز صحّة القبول أيضا ، وعليه فإذا علمنا بوقوع إنشاء البيع من غير المالك وشككنا في كونه مأذونا من قبل المالك لا يثبت الإذن بجريان أصالة الصحّة في الإنشاء ، لأنّ الإذن من المالك ليس شرطا للإنشاء ، بل هو شرط لصحّة البيع.
وكذا لو وقع بيع في الخارج على نحو الفضولي ولم نعلم لحوق الإجازة لا تثبت الإجازة بأصالة الصحّة ، لأنّ صحّة بيع الفضولي هي الصحّة التأهليّة ، بمعنى أنّه يصح إذا أجازه المالك ، والصحّة بهذا المعنى لا تستلزم الصحّة بمعنى ثبوت الإجازة بعد البيع ، وكذا لو شكّ في صحّة الهبة أو بيع الصرف والسلم من جهة الشكّ في تحقّق القبض لا يثبت تحقّق القبض بأصالة الصحّة ، فلا يمكن ترتيب آثار الهبة والبيع ، لأنّ آثار الكلّ لا