ويردّ عليه ـ بعد الإغماض عن عدم دلالة الآية على وجوب الإخلاص بمعنى القربة في كلّ واجب ، وإنّما تدلّ على وجوب عبادة الله خالصة عن الشرك ، وبعبارة اخرى : وجوب
____________________________________
وبعد إثبات هذه الامور يكون مفاد الآية المباركة : وما امروا بعمل إلّا لغاية إتيانه متقرّبا مخلصا للقصد عن الرياء ، فتدلّ الآية على كلتا الثمرتين والحكمين في الشريعة السابقة ، ثمّ يثبت الحكمان بالاستصحاب في شريعتنا. هذا تمام الكلام في تقريب دلالة الآية.
أمّا بيان ما يردّ عليها ، فهو مبني على عدم إثبات الامور المذكورة والأمر كذلك ، بل الكلّ فاسد ، وذلك فإنّ اللّام ـ في قوله تعالى : (لِيَعْبُدُوا) نظير اللّام ـ في قوله تعالى : (لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ)(١) الآية ، وقوله : (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ)(٢)(لِيُطَهِّرَكُمْ)(٣) زائدة في المفعول به على تقدير أن المصدرية ، فتكون للتأكيد والتقويّة ، وليست للغاية.
وكون اللّام في هذه الموارد زائدة لا للغاية معروف من المفسّرين والنحويين ، فيكون التقدير ـ حينئذ ـ : وما امروا إلّا لعبادة الله ، كما يكون التقدير في قوله تعالى (لِيُطْفِؤُا) : إطفاء ، وفي قوله تعالى (لِيُذْهِبَ) : إذهاب ، وهكذا.
ومن هنا يظهر أنّ العبادة ليست بمعناها المصطلح في مقابل المعاملة ، بل بالمعنى الأصلي المصدري ، أعني : العبوديّة.
وكذا الإخلاص ليس بمعنى الإخلاص في نيّة العبادة عن الرياء ، بل يكون بمعنى التوحيد ونفي الشريك له تعالى ، وذلك بشهادة استعمالاته كقوله تعالى : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً)(٤) ، وقوله تعالى : (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً)(٥) وغير ذلك.
حيث لم يكن الإخلاص في هذه الموارد بمعنى خلوص النيّة عن الرياء في العبادة ، بل بمعنى نفي الشريك ، والدين لم يوجد بمعنى القصد.
فلم يثبت شيء من الامور ، فيكون مفاد الآية حينئذ : أنّه ما امروا إلّا للعبوديّة له تعالى
__________________
(١) الصف : ٨.
(٢) الأحزاب : ٣٣.
(٣) المائدة : ٦.
(٤) الزمر : ١٤.
(٥) الزمر : ٢.