____________________________________
والرابع : هو التفصيل بين ما إذا أحرز الصفات في طرف الموجب وشكّ فيها في طرف القابل ، فتجري أصالة الصحّة ، وبين ما إذا انعكس فلا تجري.
أمّا الثاني ، فلأنّ الصحّة الثابتة بالأصل المزبور في طرف الإيجاب لا تكون إلّا صحّة تأهّليّة ، وسيأتي أنّها لا تثبت بهذا الأصل.
وأمّا الأوّل ، فلأنّه بعد فرض إحراز الصفات في طرف الموجب لا يكون منشأ الشكّ في صحّة العقد إلّا الشكّ فيما هو بمثابة الجزء الأخير من العلّة التامّة ، فجريان الأصل فيه لا يثبت إلّا الصحّة الفعليّة ، لأنّه يتحقّق به الصحّة فعلا من غير انتظار لشيء آخر.
هذا ، لكن فيه أنّ هذا لا يتمّ بالنسبة إلى شروط العاقد ، لأنّ الإيجاب والقبول لا يصدر إلّا على وجه التخاطب فلا محالة يستلزم الشكّ في صفات القابل للشكّ في شرائط الإيجاب كما لا يخفى.
وأمّا الثاني ، فالمخالف فيه هو المحقّق الثاني ، حيث ذهب إلى عدم جريانها قبل إحراز شروط أركان العقد مطلقا ، سواء كانت من الصفات الراجعة إلى العاقد أو متعلّق العقد ، وقال بجريانها فيما إذا أحرز الشروط وكان الشكّ في طروّ المانع ، وهذا هو الظاهر من كلامه المحكي عنه في المتن.
وفيه : إنّ الدليل الدالّ على اعتبار القاعدة من السيرة والغلبة وظهور حال المسلم بعينه جار فيما إذا كان الشكّ في شروط الأركان ، فلا وجه لما ذهب إليه.
ويمكن توجيه كلامه بأنّ المدرك لاعتبار القاعدة عنده ليس ما ذكر ، بل العمومات ، مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) وغيره ، وفصّل في التمسّك بها بين ما إذا كان الشكّ في الشروط ، أعني : ما هو بمثابة المقتضي أو طروّ المانع ، فجوّز التمسّك بها في الثاني دون الأوّل ؛ وذلك لأنّ شروط العقد ـ سواء رجعت إلى العاقد كالبلوغ والعقل ، أو العوضين كالمعلوميّة والصحّة ـ بمنزلة القيود له ، والشكّ فيها شكّ في المقيّد ، أعني : العقد ، فليس العقد في حال الشكّ بمحرز حتى يصحّ التمسّك فيه ب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وهذا بخلاف ما إذا شكّ في المانع
__________________
(١) المائدة : ١.