أو بوجوب العمل في مورد بحكم لا يقتضيه دليله لو لا الدليل الحاكم ، وسيجيء توضيحه إن شاء الله تعالى.
وحاصله : تنزيل شيء خارج عن موضوع دليل منزلة ذلك الموضوع في ترتيب أحكامه عليه ، أو داخل في موضوع منزلة الخارج منه في عدم ترتيب أحكامه عليه ، وقد اجتمع كلا الاعتبارين في حكومة الأدلّة الغير العلميّة على الاستصحاب مثلا.
ففي ما نحن فيه إذا قال الشارع : «اعمل بالبيّنة في نجاسة ثوبك» ـ والمفروض أنّ الشكّ موجود مع قيام البيّنة على نجاسة الثوب ، فإنّ الشارع جعل الاحتمال المخالف للبيّنة كالعدم ـ فكأنّه قال : لا تحكم على هذا الشكّ بحكمه المقرّر في قاعدة الاستصحاب وافرضه كالمعدوم.
____________________________________
وذلك كحكم الشارع بوجوب رفع اليد عمّا دلّ على وجوب البناء على الأكثر في الشكّ في عدد الركعات بقوله : لا شكّ لكثير الشكّ (١) ، فيخرج شكّ كثير الشكّ عن موضوع الدليل الأوّل ، أعني : وجوب البناء على الأكثر ، بحيث لو لا الدليل الثاني لكان مقتضى الدليل الأوّل هو البناء على الأكثر ، حتى مع كثرة الشكّ.
وكذلك لو لا الدليل الأوّل ـ الذي يثبت للشكّ حكما في الشرع ، أعني : وجوب البناء على الأكثر ـ لكان الدليل الثاني لغوا ، فالدليل الثاني حاكم على الدليل الأوّل بنحو التضييق.
وقد أشار إلى الثاني بقوله : أو بوجوب العمل في مورد بحكم لا يقتضيه دليله لو لا الدليل الحاكم.
وذلك كقول الشارع : الخمر حرام ، حيث يكون ظاهره اختصاص الحرمة بالمائع المسكر المتّخذ من العنب ، ثمّ قوله فرضا : الفقاع خمر ، حاكم على الدليل الأوّل بنحو التوسعيّة ، حيث يدخل الفقاع بالدليل الثاني في موضوع الدليل الأوّل ، ولو لا الدليل الأوّل المثبت للخمر حكما شرعا لكان الدليل الثاني لغوا.
ففي ما نحن فيه إذا قال الشارع : «اعمل بالبيّنة في نجاسة ثوبك» ، والمفروض أنّ الشكّ موجود مع قيام البيّنة على نجاسة الثوب.
فإنّ الشارع حكم في دليل وجوب العمل بالبيّنة برفع اليد عن آثار الاحتمال المخالف
__________________
(١) هناك أخبار كثيرة تدلّ على عدم الاعتناء بكثرة الشكّ. منها : الكافي ٣ : ٣٥٨ / ٢ ، والاستبصار ١ : ٣٧٤ / ١٤٢٢ ، والوسائل ٨ : ٢٢٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٦ ، ح ٢ ، ح ٤.