وأمّا المثال الثالث ، فلم يتصوّر فيه الشكّ في بقاء شرطيّة العلم للتكليف في زمان.
نعم ، ربّما يستصحب التكليف فيما كان المكلّف به معلوما بالتفصيل ، ثمّ اشتبه وصار معلوما بالإجمال. لكنّه خارج عمّا نحن فيه.
مع عدم جريان الاستصحاب فيه ، كما سننبّه عليه.
____________________________________
ويظهر حال المثالين الأوّلين وهما استصحاب تحريم التصرّف في مال الغير ووجوب ردّ الأمانة ممّا ذكرنا سابقا من عدم إمكان جريان الاستصحاب في الحكم العقلي من جهة عدم تصوّر الشكّ في حكم العقل ، وذلك لما عرفت سابقا من أنّ الحاكم لا يحكم بحكم إلّا بعد إحراز الموضوع بجميع ما له دخل في الحكم.
فحينئذ العقل ؛ إمّا أن يحكم بوجوب ردّ الأمانة وتحريم التصرّف في مال الغير مطلقا ولو مع الاضطرار والخوف ، وإمّا أن يحكم بهما بشرط عدمهما. وعلى التقديرين ليس هناك شكّ حتى يكون مجرى الاستصحاب ، مع أنّه لو فرض الشكّ فيه لكان من جهة الشكّ في الموضوع ، فلا يجري الاستصحاب من جهة عدم إحراز الموضوع.
وأمّا المثال الثالث ، فلم يتصوّر فيه الشكّ في بقاء شرطيّة العلم للتكليف في زمان ، إذ من البديهي أنّ العلم شرط لتنجّز التكليف عقلا ، ثمّ العقل إمّا أن يحكم بشرطيّة العلم مطلقا ، أي : تفصيليّا كان أو إجماليّا.
وإمّا أن يحكم بشرطيّة العلم التفصيلي فقط. وعلى التقديرين لا يتصوّر فيه شكّ ، حتى يكون مجرى الاستصحاب.
نعم ، ربّما يستصحب التكليف فيما كان المكلّف به معلوما بالتفصيل ، كالعلم بوجوب الصلاة المعيّنة يوم الجمعة ووجوبها إلى جهة معيّنة.
ثمّ اشتبه وصار معلوما بالإجمال ، كاشتباه الصلاة بين الظهر والجمعة ، واشتباه القبلة بين الجهات الأربع ، فبعد الإتيان ببعض المحتملات يستصحب التكليف الثابت قبل الإتيان بالبعض.
لكنّه خارج عمّا نحن فيه ؛ لأنّه ليس استصحابا للحكم العقلي ، بل استصحاب للحكم الشرعي وهو جائز ومعقول ، كما مرّ ، إلّا أن يمنع مانع كما في المقام ، والمانع هو كونه مثبتا ، كما سيأتي في كلام المصنّف قدسسره ؛ ولهذا قال :