والاحتياط في العمل ، ونفي الحرج لا دليل عليه في الشريعة السابقة خصوصا بالنسبة إلى قليل من الناس ممّن لم يحصل له العلم بعد الفحص والبحث.
ودعوى : «قيام الدليل الخاصّ على اعتبار هذا الظنّ ، بالتقريب الذي ذكره بعض المعاصرين ، من أنّ شرائع الأنبياء السلف وإن كانت لم تثبت على سبيل الاستمرار ، لكنّها في
____________________________________
الاعتماد بالظنّ ، وذلك فإنّ اعتباره ـ حينئذ ـ مبنيّ على الانسداد وتماميّة مقدّماته ، ولا تتمّ مقدّمات الانسداد في المقام لإمكان الاحتياط في مقام العمل بالجمع بين الشريعتين ، مع أنّ من مقدّمات الانسداد هو عدم إمكان الاحتياط.
فيجب الاحتياط بالجمع بين أحكام الشريعتين وإن كان حرجيا ، إذ لا دليل للكتابي على نفي الحرج في الشريعة السابقة ، كما أشار إليه بقوله :
ونفي الحرج لا دليل عليه في الشريعة السابقة ، بل ما يظهر من بعض الآيات ـ كقوله تعالى : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ)(١) ، وقوله تعالى حكاية عن النّبي صلىاللهعليهوآله : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا)(٢) ـ وقوع الحرج في الشرائع السابقة.
وعلى فرض تسليم رفع الحرج في الشريعة السابقة ، فيمكن أن يقال : إنّ المرفوع هو الحرج اللّازم لأغلب الناس لا الحرج الذي يلزم لقليل منهم ، كما أشار إليه بقوله :
خصوصا بالنسبة إلى قليل من الناس ممّن لم يحصل له العلم بعد الفحص والبحث.
إلّا أن يقال بعدم الفرق بين لزوم الحرج على الأغلب وبين لزومه على النادر إلّا من حيث ما هو الملاك في نفي الحرج ، هل هو الحرج النوعيّ بمعنى أنّ الحكم إذا كان حرجيّا على الأكثر يرتفع عن الجميع حتى عمّن لا حرج عليه ، أو الحرج الشخصيّ؟ بمعنى أنّه لا يرتفع إلّا عمّن عليه الحرج.
ودعوى قيام الدليل الخاصّ أعني : سيرة السلف على اعتبار هذا الظنّ أي : الظنّ ببقاء النبوّة والشريعة السابقة ، حيث يكون معتبرا بقيام السيرة على اعتباره من دون ربط له باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ أو الأخبار.
__________________
(١) الأعراف : ١٥٧.
(٢) البقرة : ٢٨٦.