كما أن عدم جدوى البحث في العلامات ـ حسبما جاء في الشبهة ـ يلغي دور العلامات المحتومة التي لا يقع فيها التغيير ، كما هو صريح الأخبار المتواترة ، ومن خلالها يمكن رسم خارطة سياسية تحدّد للإمة الإسلامية معالم حركة الظهور ، وأما غير المحتوم من العلامات فلا يمكن أن تحدّد لنا أهداف الإسلام المتوخاة من خلال ترقبها سوى ما يتعلق بتكوين الشخصية المتزنة والمتصفة بالصبر والانتظار ، وهذا بدوره عنصر مهم في بلورة الواقع المؤمن وتهذيبه من الشوائب النفسية والدخيلة على جوهره وكيانه.
«إن إمكانية استطلاع المستقبل المجهول للإنسانية ، ومحاولة التعرف على أبرز معالمه الفكرية ، وخصائصه الاجتماعية ، وصراعاته السياسية ، ومكوناته الحضارية بدقة متناهية ، أمر تفردت به رسالة الإسلام وحدها (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (١) وإن وضع الدين القيّم والمهيمن على الأديان كلها في ساحة الجهل بأحداث المستقبل ، وعدم القدرة على استطلاعها والتعرف عليها قبل تحققها ، بحجة أن أهل البيت يريدون لأتباع هذا الدين الارتباط بما وقع دون الالتفات إلى ما سيقع ، هو لون من التصورات الاجتهادية الخاطئة لعدم انسجامها مع قيمومة الإسلام على الأديان كلها ، وعدم تطابقها مع طريقته في إلقاء الحجّة على أعدائه ، قبل أن ينتهي بهم الكفر والانحراف عن مباديه إلى الطريق المسدود ، فحينئذ يصبح دين (نوستردامس) في تنبؤاته عن مستقبل الحضارة البشرية في صراعاتها السياسية ، ومعاركها الجوية والبحرية هو الدين القيم المهيمن على الأديان كلها في طريق إلقاء الحجّة على المجتمع البشري ، وهدايته إلى الموقف الحق لإنقاذه من الخطر المحدق به ، وليس الإسلام الموصوف في كتاب الله تعالى بأنه دين الهداية والبشرى للمسلمين (٢) بقوله تعالى : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً
__________________
(١) سورة الروم : ٣٠.
(٢) مبادي الثقافة المهدوية / للشيخ مهدي الفتلاوي ص ١٤٩.