معهم ليستمرّوا على تقواهم من الخوض أو ليتمّ لهم التقوى والورع عن محارم الله سبحانه.
وثانيا : إنّ المراد بالتقوى في قوله : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ) التقوى العام وهو الاجتناب والتوقّي عن مطلق ما لا يرتضيه الله تعالى ، وفي قوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) التقوى من خصوص معصية الخوض في آيات الله ، أو المراد بالتقوى الأول أصل التقوى ، وبالثاني تمامه ، أو الأول إجمال التقوى والثاني تفصيله بفعلية الانطباق على كل مورد ومنها مورد الخوض في آيات الله ، أو أن يكون المراد بالأول تقوى المؤمنين وبالتقوى الثاني تقوى الخائضين ، وتقدير الكلام : ولكن ذكّروا الخائضين ذكرى لعلهم يتقون الخوض (١).
وعليه فإن قوله (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) (٢) هو ما يريده في سورة الأنعام (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٣) فإن سورة الأنعام مكية ، وسورة النساء مدنية فيستفاد من إشارة الآية إلى آية الأنعام أن بعض الخطابات وجّه إلى النبيّ خاصة ، والمراد بها ما يعم الأمة (٤) ، من باب إياك أعني واسمعي يا جارة.
خامسا : التحفظ على نفس الموضوع ، إذ عند ما يتبدل موضوع حكم إلى غيره ، فإن الحكم يتغير لا محالة حيث الحكم قيد موضوعه ، وليس هذا نسخا ، فكل استثناء أو تخصيص ورد على حكم عام لا يسمى نسخا.
ومن هذا الباب أيضا إذا ما طرأ عنوان ثانوي (كالاضطرار والحرج والتقيّة ...) يختلف حكمه عن العنوان الذاتي الأولى بحيث يعرّض ـ أي العنوان
__________________
(١) تفسير الميزان ج ٧ / ١٤١.
(٢) سورة النساء : ١٤٠.
(٣) سورة الأنعام : ٦٨.
(٤) تفسير الميزان ج ٥ / ١١٥ وج ٧ / ١٤٠ ـ ١٤١.