وليست هذه بأوّل قارورة كسرت في الإسلام بيد خالد ، وقد صدرت منه لدة هذه الفحشاء المنكرة على عهد رسول الله ، وتبرّأ صلىاللهعليهوآلهوسلم من صنيعه ، قال ابن إسحاق : بعث رسول الله فيما حول مكة السرايا تدعو إلى الله عزوجل ، ولم يأمرهم بقتال ، وكان ممّن بعث خالد بن الوليد ، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيا ، ولم يبعثه مقاتلا ، ومعه قبائل من العرب فوطئوا بني جذيمة ابن عامر ، فلمّا رآه القوم أخذوا السلاح ، فقال خالد : ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا.
قال : حدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة قال : لمّا أمرنا خالد أن نضع السلاح ، قال رجل منّا يقال له جحدم : ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد ، والله ما بعد وضع السلاح إلّا الإسار ، وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق ، والله لا أضع سلاحي أبدا ، قال : فأخذه رجال من قومه فقالوا : يا جحدم! أتريد أن تسفك دمائنا إن الناس قد أسلموا ووضعوا السلاح ، ووضعت الحرب ، وأمن الناس؟ فلم يزالوا به حتّى نزعوا سلاحه ، ووضع القوم السلاح لقول خالد ، فلمّا وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك فكتّفوا ثم عرضهم على السيف ، فقتل من قتل منهم ، فلمّا انتهى الخبر إلى رسول الله رفع يديه إلى السماء ثم قال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد (١).
وقد كان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف كلام في ذلك ، فقال له عبد الرحمن ابن عوف : عملت بأمر الجاهلية في الإسلام (٢).
فهذا الرّهق والسرف في سيف خالد على عهد أبي بكر من بقايا تلك النزعات الجاهلية ، وهذه سيرته من أوّل يومه ، فأنّى لنا أن نعدّه سيفا من سيوف الله ، وقد تبرّأ منه نبي الإسلام غير مرة ، مستقبل القبلة شاهرا يديه ، وأبو بكر ينظر إليه من كثب.
__________________
(١) الاستيعاب ج ١ / ١٥٣ وفيه قال : هذا من صحيح الأثر.
(٢) سيرة ابن هشام ج ٤ / ٥٣ ، طبقات ابن سعد ، ط / مصر ، رقم التسلسل ٦٥٩.