جوابه : إن المصالح تختلف حسب الظروف والأحوال ، كوصفات طبيب حاذق تختلف حسب اعتوار أحوال المريض واختلاف بيئته والمحيط الذي يعيش فيه ، فربّ مصلحة تستدعي تشريعا متناسبا مع بيئة خاصة وفي مستوى خاص ، فإذا تغيرت الواقعية فإن المصلحة تستدعي تبديل تشريع سابق إلى تشريع لاحق يلتئم مع هذا الأخير.
أما لما ذا لم ينبّه الشارع تعالى على هذا التحديد من أول الأمر؟
فلعلّ هناك مصلحة مستدعية لهذا الإخفاء ، منها توطين نفوس مؤمنة وترويضها على الطاعة والانقياد ، ولا سيّما إذا كان التشريع الأول أشد وأصعب ، فيتبدل إلى تشريع أسهل وأخف ، تسهيلا على الأمة وتخفيفا عليهم رحمة من الله تعالى.
الشبهة الثانية :
إن وجود آية منسوخة في القرآن ربما يسبّب اشتباه المكلفين ، فيظنونها آية محكمة يعملون بها أو يلتزمون بمفادها ، الأمر الذي يكون إغراء بالجهل ، وهو قبيح.
الجواب :
إن خلط الأمر على المكلّفين ليس مبررا لرفض النسخ من أساسه وإلّا لأدى وجود المتشابه القرآني وكذا العام والمطلق إلى إنكار المحكم والخاص والمقيّد ، مع أنّ أحدا من الفقهاء لم يقل به أبدا.
هذا مضافا إلى أن مضاعفات جهل كل إنسان تعود إلى نفسه ، ولم يكن الجهل يوما ما عذرا مقبولا لدى العقلاء ، فإذا كانت المصلحة تستدعي نسخ تشريع سابق بتشريع لاحق ، فعلى المكلّفين أن ينبّهوا أنفسهم على هذا الاحتمال في التشريع ، ولا سيّما إذا كان التشريع في بدء حركة إصلاحية آخذة في التدرّج نحو الكمال.