(٥) لعلّ السبب في عدم فتح أمير المؤمنين عليهالسلام الباب هو كونه بعيدا عنه ، أو لوجود مانع يشغله عن فتح الباب ، والسيّدة الزهراء عليهاالسلام هي الأقرب منهم جميعا لذا تولّت هي الإجابة دونهم بصورة طبيعية ، وما المانع أن تردّ الصدّيقة من خلف الباب ، وقد كان رسول الله يأمر بعض نسائه بإجابة الطارق حين لا تتهيأ له المبادرة للإجابة لأمر يشغله؟.
(٦) إن ردّها على القوم كان لإلقاء الحجة عليهم لعلّهم يرتدعون أو يخجلون من امرأة جليلة تكلّمهم ، فكيف إذا ما كانت المتكلّمة فاطمة الزهراء ، لكنّهم لم يعطوها اهتماما بل تخطوا كل الحدود والقيود والآداب والدساتير ، وقد كانت الصدّيقة عالمة (١) بكلّ ما سيجري عليها ، من هنا كانت موطنة نفسها على نزول البلاء ، فلبست خمارها وجلبابها ولاذت وراء الباب فحصل ما حصل.
ودعوى «أن عليّا ومن معه ربما لا يكونون قد عرفوا بوجود أناس على الباب إلّا بعد فوات الأوان ، وبعد حصول ما حصل ..» (٢) غير سديدة وذلك لمنافاتها للعموميات القرآنية والأخبار النبوية الدالة على إحاطة العترة الطاهرة للموضوعات التي يترتب عليها حكم شرعي ، إذ جهل المعصوم به يعتبر تنزيلا له عن مرتبته ، فالعلم بالموضوعات المقررة من صلب مهامه ووظائفه.
فإن قيل : إذا كان ما زعمتم من أن الصدّيقة الشهيدة كانت عالمة بمصيرها فلما ذا لم تلتجئ إلى دار غير دارها لتحافظ على حياتها؟
قلنا : ليس هناك دارا أخرى تلتجئ إليها مولاتنا الزهراء عليهاالسلام ، ودعوى أن دور المسلمين ترحب بها غير صحيحة ، وذلك لأن من تقاعس عن نصرتها كيف يمكن له أن يأويها ، مضافا إلى أنها ليست ملزمة بالخروج من دارها لمجرد علمها
__________________
(١) ومولاتنا فاطمة عليهاالسلام هي الولية لله تعالى وقد حباها سبحانه بالمعارف والعلوم ، فقد ورد ما معناه في الصحيح : أن الله قسّم العلم إلى ثلاث وسبعين حرفا ، أعطى اثنين وسبعين للنبيّ محمّد وعترته الطاهرة ، واستأثر لنفسه حرفا واحدا.
(٢) خلفيات مأساة الزهراء ج ٦ / ١٩٥.