طالب من هذا القبيل ولكن بمستوى أرقى مما هو عليه المؤمنون الصالحون ، وليس معنى صوابية رؤيا المؤمن أنه صار نبيّا مشرّعا بل رؤياه من قبيل التسديد والتوفيق ، وهكذا ورد عن عبد المطلب انه نبىء في المنام أن احفر طيبة ، قال : قلت : وما طيبة؟ قال : ثم ذهب ـ أي من أتاه في المنام ـ فرجعت الغد إلى مضجعي فنمت ، فجاءني فقال : احفر برّة ، قال : قلت : وما برّة؟ ثم جاءه مرة ثالثة ، فقال له : احفر المضنونة ، قلت : وما المضنونة؟ ثم جاءه مرة رابعة ، فقال له : احفر زمزم ، إنك إن حفرتها لا تندم ، قلت : وما زمزم؟ قال : تراث من أبيك الأعظم لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم ، .. فلما بيّن له شأنها ودلّ على موضعها وعرف أنه قد صدق ، غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث ليس له ولد غيره ، فحفر بين إساف ونائلة في الموضع الذي تنحر فيه قريش لأصنامها ، وقد رأى الغراب ينقر هناك ، فلمّا بدا له الطويّ كبّر ، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته ، فقاموا إليه فقالوا : إنها بئر أبينا إسماعيل ، وإن لنا فيها حقا فأشركنا معك ، قال : ما أنا بفاعل ، هذا أمر خصصت به دونكم ، قالوا : فإنّا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها ، قال : فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم ، قالوا : كاهنة بني سعد بن هذيم وكانت بمشارف الشام ، فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني عبد مناف ، فلما أشرفوا على الهلاك من شدة الظمأ ، ركب عبد المطلب راجعا إلى دياره ، فلما انبعثت به راحلته انفجرت من تحت خفها عين عذبة من ماء ، فكبّر وكبّر أصحابه وشربوا وملئوا أسقيتهم ، ثم دعا القبائل من قريش فقال : هلمّوا إلى الماء فقد سقانا الله ، ثم قالوا لعبد المطلب : والله لا نخاصمك في زمزم أبدا ، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم ، فارجع إلى سقايتك راشدا (١).
ويروى أن عبد المطّلب أوّل من تحنث بحراء ، فكان إذا دخل شهر رمضان صعد حراء وأطعم المساكين جميع الشهر (٢).
__________________
(١) تاريخ ابن الأثير ج ٢ / ١٢ ـ ١٣ بتصرف.
(٢) نفس المصدر ج ٢ / ١٥.