وحتى ننزه كتاب الله تعالى عن شبهة الحذف والزيادة بأخبار الآحاد ، فما لم يتواتر في شأن القرآن إثباتا وحذفا لا اعتداد به ، ومن هذا الباب نسخ القرآن بأخبار الآحاد.
٢ ـ نسخ التلاوة دون الحكم.
معناه : أن تسقط آية من القرآن الحكيم ، كانت تقرأ في عهد النص ، وكانت ذات حكم تشريعي ، ثم نسيت ومحيت عن صفحة الوجود ، لكن حكمها بقي مستمرا غير منسوخ. ومثلوا لذلك بآية الرجم فقالوا : إن هذه الآية كانت من القرآن ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها ، أو «كما ادعت عائشة أن خمسة رضعات نسخن العشرة» (١).
وهذا النوع من النسخ أيضا مرفوض عند الإمامية على غرار النوع الأول بلا فرق ، لأن القول بنسخ التلاوة هو نفس القول بالتحريف ، ومستند هذا القول أخبار آحاد ، وأن أخبار الآحاد لا أثر لها في أمثال هذا المقام ، وأخبار الآحاد لا تفيد سوى الظن ، وأن الظن لا يغني عن الحق شيئا.
هذا فضلا عن منافاته لمصلحة نزول نفس الآية أو الآيات ، إذ لو كانت المصلحة التي كانت تقتضي نزولها هي اشتمالها على حكم تشريعي ثابت ، فلما ذا ترفع الآية وحدها ، في حين اقتضاء المصلحة بقاءها لتكون سندا للحكم الشرعي المذكور. ومن ثمّ فإن الاعتقاد بمثل هذا استدعى تشنيع أعداء الإسلام وتعيير هم على المسلمين في كتابهم المجيد.
لذا فإن هذا القول باطل عندنا ـ معاشر الإمامية ـ رأسا لا مبرر له إطلاقا ، فضلا عن مساسه بقداسة القرآن الحكيم.
وخالفنا في ذلك جلّ علماء العامة بما فيهم فقهاء كبار ، التزموا بهذا القول
__________________
(١) شرح النووي على صحيح مسلم ج ١٠ / ٢٦.