والجبائي : من أن المراد بالآية هم الكفار كانوا ينهون الناس عن إتباع النبيّ ويتباعدون عنه فرارا منه(١). بل إن الروايات التي فسّرت الآية بأبي طالب مروية بواسطة عطاء ومقاتل (٢) ، وهذا لا يصح لأن هذه الآية معطوفة على ما تقدّمها وما تأخر عنها معطوف عليها ، وكلها في ذم الكفار المعاندين للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقوله تعالى في الآية المتقدمة على الآية موضع البحث (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٣) ، وكذا الآية المتأخرة عن الآية ٢٦ (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٤) لا ينطبق شيء من أوصافها على سيّدنا أبي طالبعليهالسلام الذي لم يعهد أو يعرف منه إلّا التشجيع على اتّباع النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم والنصرة له باليد واللسان ، فكان كثير الطلب من غيره ممن تربطه به علاقة حميمة أو نسبية أن يدخل في هذا الدين ، وأن يتمسك به ويصبر عليه ، والأخبار بهذا الصدد كثيرة يشهد له بها العامة والخاصة.
٢ ـ إن قوله تعالى في سورة القصص : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) نزلت في أبي طالب بعد وفاته فيما زعموه عن الصحيحين ، وهذا لا يتم مع قوله تعالى : (يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ) النازلة في أناس أحياء ـ أي في أبي طالب ـ فإن سورة الأنعام التي فيها الآية المبحوث عنها نزلت جملة واحدة بعد سورة القصص بخمس سور (كما في الاتقان ج ١ / ١٧) فكيف يمكن تطبيقها على أبي طالب وهو رهن أطباق الثرى ، وقد توفي قبل نزول الآية ببرهة طويلة (٥).
وبعبارة أخرى :
إن الآية ٢٦ من سورة الأنعام ، والآية ٥٦ من القصص نزلتا ـ بحسب زعم
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ج ٤ / ٢٢ ، والغدير ج ٨ / ٥.
(٢) نفس المصدر.
(٣) سورة الأنعام : ٢٥.
(٤) سورة الأنعام : ٢٧.
(٥) الغدير ج ٨ / ٥ ـ ٦ بتصرف في بعض ألفاظه.