لكنّ بعضهم قال : «إن هاتين الآيتين محكمتان ، غير منسوختين : أما الأولى فإن مفادها حكم تهذيبي أخلاقي وهو غير مقتصر على المشركين بل يعم المسلمين الذين لا يبالون بدينهم ، فالجزاء منهم موكول إلى الله الذي لا يفوته ظلم الظالمين وتفريط المفرطين» (١).
وأما الثانية : «فلا علاقة لها ـ بنظره ـ بالنسخ المصطلح ، حيث فيها تلميح بالتوقيت ، ولأن أهل الكتاب لا يجوز مقاتلتهم لمجرد أنهم أهل الكتاب إلا مع ضمّ موجب آخر من إقدامهم على حرب المسلمين أو إلقاء الفتنة بينهم أو امتناعهم عن دفع الجزية» (٢).
أورد عليه :
«متى كان الإغضاء عن اعتداء معتد غشوم أدبا رفيعا وخلقا كريما؟! وهل كان سكوت المؤمن أمام تجاوز الكافر الملحد صفحا مجيدا؟
هذا وذاك ضعف ووهن وجبن ، الأمر الذي يتنافى وعزة الإيمان ، ولا سيّما وكان المصفوح عنهم في الآية «من لا يرجون أيام الله» فكيف يكون الصفح عن مثل هؤلاء الظالمين أدبا وخلقا إسلاميا نبيلا! نعم كان سكوت الضعيف أمام القوي والغض عن تعدياته الغاشمة ـ اضطرارا ـ حفظا على نفسه وعلى إخوانه المؤمنين عن الإبادة والهلاك ، الأمر الذي يتناسب مع الأيام التي كان المسلمون في مكة ضعفاء لا يستطيعون المقاومة تجاه المشركين ، وكذلك في بدء هجرتهم إلى المدينة ، أما بعد قوتهم وازدياد شوكتهم فقد جاء الأمر بمعاملة المعتدين مثلا بمثل (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٣) وفي ذلك تتمثل شوكة المسلمين وعزة جانبهم.
__________________
(١) الخوئي في البيان ص ٣٦٤.
(٢) البيان للخوئي ص ٢٨٩.
(٣) سورة البقرة : ١٩٤.