في الاختصاص ، وتعرّض للعن قاتل الصدّيقة وابنها السقط عليهالسلام ، اللهم إلّا أن يقال : إن استعمال المداراة في كتاب الإرشاد الذي كان آخر مؤلفاته دون الأمالي والاختصاص للتخفيف من حدة الصراع القائم بين الشيعة والسنّة يومئذ ، فكان عدم ذكره للكسر نوع تقية يأمر بها الشرع والعقل حال خوف الضرر ، فهو وإن كان لم يشر إلى المسألة بشكل تفصيلي ، لكنه أشار إليها بصورة خفية وذكية حيث أثبت في المقنعة والمزار كونها عليهاالسلام «شهيدة طاهرة».
قد يقال : ربما كانت شهادتها نتيجة إسقاطها لابنها محسن عليهالسلام وليس لكسر ضلعها.
قلنا : صحيح قد يكون سبب الموت ما ذكره الإشكال ، لكنه ضئيل عادة لا سيّما النساء اللاتي يملكن أجساما متكاملة وقوية ، فكيف بالصدّيقة الطاهرة عليهاالسلام حيث إن مبدأ نشوء جسدها الطاهر كان في تفاحة الفردوس ، فمن البعيد جدا أن يكون سبب شهادتها الإسقاط لوحده ، بل إنّ تكسير الأضلاع الشريفة ونبت المسمار في الصدر المقدّس هو السبب الرئيسي في شهادتها عليهاالسلام ، لوجود قرائن منفصلة أخرى تثبت ذلك ، منها ما جاء في الزيارات المروية عنهمعليهمالسلام من أنّها روحي فداها «مكسور ضلعها» و «شهيدة طاهرة». وقد روى ابن طاوس عن الأئمة عليهمالسلام في كتاب الإقبال «باب زيارتها يوم مولدها» إن من زارها بهذه الزيارة واستغفر الله غفر الله له وأدخله الجنّة ، قال تقول : السلام عليك ... اللهم صلّ على الصدّيقة الطاهرة .. المظلومة المغصوبة حقها الممنوعة إرثها المكسور ضلعها المظلوم بعلها المقتول ولدها (١). ويظهر أن السيّد ابن طاوس أعلى الله مقامه الشريف أول من تجرّأ بذكر مسألة كسر ضلع جدته الصدّيقة الطاهرة عليهاالسلام في باب الزيارات ـ بحسب الظاهر ـ حسبما ذكرنا آنفا عنه أنه قال : «فقد روي أن من زارها بهذه الزيارة ..» وهذا يؤكد مدى حالة الخوف التي كان يعيشها الشيعة آنذاك ، عدا عن التقية التي هي السبب في عدم تجاهرهم بالمسألة ، لذا فإن الشيخ المفيد روى
__________________
(١) بحار الأنوار ج ٩٧ / ٢٠٠.