الدين حتى لا يفلت من جرحه أحد من هؤلاء المشاهير بالتقوى والعفاف والصلاح. فالظاهر أن المؤلف لهذا الكتاب كان من المعاندين لكبراء الشيعة وكان يريد الوقيعة فيهم بكل حيلة ووجه ، فألّف هذا الكتاب وأدرج فيه بعض مقالات ابن الغضائري تمويها ليقبل عنه جميع ما أراد إثباته من الوقائع والقبائح» (١).
والمتحصل من ذلك «أن الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري لم يثبت بل جزم بعضهم بأنه موضوع ، وضعه بعض المخالفين ونسبه إلى ابن الغضائري بل إن الاختلاف في النقل عن هذا الكتاب يؤيد عدم ثبوته بل توجد في عدة موارد ترجمة شخص في نسخة ولا توجد في نسخة أخرى إلى غير ذلك من المؤيدات» (٢).
وزبدة المخض : إن تضعيف ابن الغضائري لأبان في الكتاب المنسوب إليه (أي إلى ابن الغضائري) لا قيمة لها وذلك لأن منشأها العامة ـ كما مرّ معك أخي القارئ ـ حيث إن أبان بن أبي عياش كان محسوبا على مدرسة أهل البيت عليهمالسلام بعد ما كان من أنصار المدرسة الأخرى في أول حياته ، وقد لعب سليم رضي الله تعالى عنه دورا بارزا في تشيّع (٣) أبان وتطلّعه إلى الحقيقة وفحصه عنها ، وقد انقلب أبان على موروثاته البيئية والتي لم تصبو به إلى الأمان الروحي ، وبعد اهتدائه بدأ الصراع العقيدي بينه وبين من كان منهم ، فانقلب عليهم بحسب ظنهم ، لأن كل من لم يكن من أتباع المدرسة البكرية (فهو بنظرهم) ضدهم ، فحصلت بين أبان والمخالفين بعض ما كان يرجى وقوعه ، فأخذوا يرمونه بكل ما عندهم من التعرّض إلى شخصيته العلمية كرميه بسوء الحفظ (٤) والنسيان ورواية المناكير ، أو إلى شخصيته الاجتماعية بنسبة الكذب والاختلاط إليه ، وقاموا بنشر ذلك في
__________________
(١) الذريعة ج ١٠ / ٨٩.
(٢) معجم رجال الحديث للخوئي ج ١ / ١٠٢.
(٣) فقد جاء عن أبان نفسه أنه لمّا قرأ كتاب سليم استعظم ما فيه ثم إن الإمام السجّاد عليهالسلام وضّح له ما خفي عليه وبيّن له مباني التشيّع ، فصار من أعاظم الرواة وثقاتهم. راجع الكتاب نفسه ص ٥٩ ـ ٦٠ ط / دار الإرشاد ومقدمة الخوئيني ج ١ / ٢٢٧.
(٤) قد تقدّم عمّا ورد عن سفيان كيف أنه نعت أبان بالنسيان.