الثانوي ـ العنوان الأوّلي كحرمة شرب الخمر مثلا فيجعله جائزا بعد أن كان بعنوانه الذاتي محرّما وذلك للاضطرار إلى شربه ، وهذا لا يسمّى نسخا في الاصطلاح نظرا لأن الحكم الأول ثابت للخمر بعنوانها الذاتي ولا يزال ، وأما الحكم الثاني العارض فهو طارئ بعنوان الاضطرار ، ويرتفع برفع الاضطرار ، وهذا من قبيل تبدل الموضوع بالنسبة إلى حالاته الطارئة التي يختلف الحكم الشرعي بحسبها ، وعليه فقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (١) ليس ناسخا لقوله : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) (٢).
صنوف النسخ في القرآن :
لا خلاف بين المسلمين في وقوع النسخ ، سواء أكان في أحكام الشرائع السابقة حيث نسخت بأحكام الشريعة الإسلامية ، أم في جملة من أحكام هذه الشريعة حيث نسخت بأحكام أخرى من هذه الشريعة نفسها. بل من المعلوم والمتسالم عليه عند الشرائع السابقة على الإسلام ، إن كل شريعة لا حقة كانت تنسخ جملة من أحكام الشريعة السابقة عليها ، وها هي صحاح اليهود والنصارى تثبت وقوع النسخ في شريعة موسى وعيسى عليهماالسلام ، ومن الغريب جدا إصرار اليهود على استحالة النسخ في شريعة موسى ، مع أن النسخ قد وقع في موارد كثيرة من كتب العهدين :
١ ـ فقد جاء في الإصحاح الرابع من سفر العدد «عدد ٢ ، ٣» :
«خذ عدد بني قهات من بين بني لاوي حسب عشائرهم ، وبيوت آبائهم من ابن ثلاثين سنة فصاعدا إلى ابن خمسين سنة ، كل داخل في الجند ليعمل عملا في خيمة الاجتماع».
وقد نسخ هذا الحكم ، وجعل مبدأ زمان قبول الخدمة بلوغ خمس وعشرين
__________________
(١) سورة البقرة : ١٧٣.
(٢) نفس السورة والآية.