عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ثم قال : أرئاء قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنّك بأحجارك ..» (١).
لنا إيرادات على ما تقدّم :
١ ـ ما رواه الطبري من أن القدر نضج وما نضح رأس مالك من كثرة شعره ، أظنه مزحة لا يصدّقها عاقل ، إذ كيف تعمل النار بالقدر ولا تعمل برأسه من كثرة شعره ، وهل كان شعره من خشب الساج أو الأرز حيث لا تعمل به النار سريعا؟ إن عدم نضج رأسه بالنار إنما هو لإيمانه بالله تعالى ورسوله ووليّه ، حيث حرّم الله تعالى جسده ورأسه على النار ، ومن كان مع الله ، كان الله تعالى معه ، فأكرم مثواه ، وهذه شهادة من الله العزيز الحكيم لمالك بن نويرة بأنه كان مؤمنا تقيّا وليس مشركا كما ادّعى مبغضوه.
٢ ـ إذ لو كان ما قاله أبو بكر صحيحا من أن خالدا تأوّل فأخطأ بقتله مالك ، فلما ذا نزا على زوجة الشهيد مالك ، وهل أن خالدا تأوّل بها أيضا فأخطأ؟
ولو كان خطؤه مغفورا لما أكدّ عمر على الاقتصاص منه ، إذ لا يخفى أن من أخطأ في تشخيص حكم لا يقام عليه الحدّ ، لأن الخطأ شبهة ، والحدود تدرأ بالشبهات ، وعليه فإن ما فعله خالد بمالك وأصحابه وزناه بزوجته جريمة مع سابق الإصرار عليها ، وهو يستحق عليها القتل بلا إشكال في شريعة الإسلام ، ولكنّ السياسة ـ وما أدراك ما السياسة ـ لا تبقى ولا تذر شيئا من أحكام الدين.
٣ ـ هل من الإسلام في شيء من يجعل رأس مالك وأصحابه (الذين أذّنوا وأقاموا وصلّوا) أثافي للقدور؟ ما هذه القسوة والفظاظة والعنف والتزحزح عن طقوس الإسلام ، وإحراق رءوس أمّة مسلمة ، وجعلها أثفية للقدر؟ فويل للقاسية قلوبهم ، فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم.
__________________
(١) تاريخ الطبري ج ٢ / ٥٠٣ حوادث سنة ١١ ه ، وتاريخ ابن الأثير ج ٢ / ٣٥٧.