وما نسبه علماء العامة إلى الشيعة الإمامية من إضافة البداء بمعنى تبدل الرأي ونشوء رأي جديد إنما هو من افتراءاتهم على الشيعة ، وليتهم إذ لم يعرفوا مراد الشيعة من البداء تثبّتوا أو توقّفوا كما تفرضه الأمانة في النقل ، وكما تقتضيه الحيطة في الحكم ، والورع في الدين ، وهذه كتب الإمامية الكلامية وغيرها من كتب التفسير والحديث ، كلها متفقة على تفسير البداء ـ المسند إلى الله ـ بمعناه الجائز ، وهو الظهور للناس بعد خفاء.
ونحن إذ لا نستغرب افتراءات السلف الموجّهة إلى الشيعة ، حيث البيئة الغاشمة هي التي وجّهتهم ذاك التوجيه الخاطئ ، لكنّا نستغرب جدا من متابعة الخلف ونسجهم على نفس ذلك المنوال المعوّج كالأستاذ الزرقاني والعريضي والرازي ومن لف لفّهم ، مشوا على نفس المنهاج الخاطئ من غير تحقيق عن جلي الأمر ، وهذه كتب الشيعة مبثوثة بين أيديهم يغفلونها ، ويقتصرون على نقل تلكم الافتراءات الظالمة التي سجلها أسلافهم على أثر ضغط من حكومات غاشمة لا نفسه المجال لجلاء الحقيقة التي كانت تعاكس أهدافهم في سياسة الاغتصاب (١).
إذن نحن الإمامية نبرأ إلى الله تعالى ممن نسب إلينا البداء المستحيل على الله تعالى ، لذا ورد عن أئمتنا عليهمالسلام العديد من النصوص تشير إلى ما ذكرنا ، منها ما رواه الصدوق في «إكمال الدين» بإسناده عن أبي بصير وسماعة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
من زعم أن الله عزوجل يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرءوا منه» (٢).
وروى العياشي عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام يقول : إن الله يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ، ويمحو ما يشاء ، ويثبت ما يشاء وعنده أم الكتاب ، وقال :
__________________
(١) نحيل القارئ على كتابنا الفوائد البهية ج ١ / ٣٥٤ وما بعدها حيث عرضنا فيه «مسألة البداء» بتفاصيلها الفلسفية الدقيقة فليراجع.
(٢) نقلا عن البحار ، باب البداء والنسخ.