وكرّر ذلك ، فكره رسول الله قطعه لكلامه ، وعبس وأعرض عنه فنزلت هذه الآية ، وكان رسول الله يكرمه ، ويقول إذا رآه «مرحبا بمن عاتبني فيه ربي» ويقول : هل لك من حاجة ، واستخلفه على المدينة مرتين» (١).
وفي لفظ آخر : «وجعل يناديه ويكرر النداء ، ولا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره ، حتى ظهرت الكراهية في وجه رسول الله لقطعه كلامه ، وقال في نفسه : يقول هؤلاء الصناديد : إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد ، فعبس رسول الله وأعرض عنه ، وأقبل على القوم الذين يكلّمهم ...» (٢).
ولنا ملاحظات هي ما يلي :
١ ـ إنّ تلكم المرويات ضعيفة الأسانيد ، وأخبار آحاد لا يعوّل عليها ، ولا توجب علما ولا عملا ، فقد رواها أنس بن مالك وعائشة وابن عبّاس ، وهؤلاء لم يدرك أحد منهم القضية أصلا ، لأنه إمّا كان حينها طفلا أو لم يكن ولد بعد ..
٢ ـ اضطراب نصوصها ، بحيث لم يتفق راو مع الآخر بشأن الحاضرين عند النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد روى ابن كثير عن عائشة في رواية أنه كان عنده رجل من عظماء المشركين ، وفي رواية أخرى عنها : عتبة وشيبة. كما روى ابن عبّاس أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يناجي عتبة وعمّه العبّاس وأبا جهل ، وفي رواية ابن عباس في تفسيره أنهم : العباس ، وأمية بن خلف ، وصفوان بن أمية. وعن مجاهد : صنديد من صناديد قريش ، وفي رواية أخرى عنه : عتبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف.
.. هذا بالغضّ عن تناقض دلالاتها مع بعضها البعض في ذلك ، وفي نقل ما جرى ، وفي نصّ كلام الرسول وكلام ابن أم مكتوم.
٣ ـ إن ظاهر الآيات المدّعى نزولها في النبيّ هو أن العابس كان من عادته
__________________
(١) تفسير الرازي ج ٣١ / ٥٤.
(٢) أسباب النزول ص ٣٦٥ للواحدي ، وفي لفظ روح المعاني ج ١٦ / ٦٨ : «ولم يعلم تشاغله بالقوم».