وبالجملة : فإن أئمة الهدى عليهمالسلام كانوا لا يرون في الاشتراك في هذه الفتوحات أو الحروب مصلحة ، بل لا يرون نفس تلك الحروب خيرا ، فقد روي عن مولانا الإمام الصادق عليهالسلام أنه قال لعبد الملك بن عمرو : «يا عبد الملك ما لي لا أراك تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك؟ قال : قلت : وأين؟ قال عليهالسلام : جدّة وعبادان والمصيصة وقزوين ، فقلت : انتظارا لأمركم والاقتداء بكم ، فقال عليهالسلام : أي والله لو كان خيرا ما سبقونا إليه ، قال : قلت له : فإن الزيدية يقولون ليس بيننا وبين جعفر خلاف إلّا أنه لا يرى الجهاد ، فقال عليهالسلام : أنا لا أراه! بلى والله إني لأراه ولكنني أكره أن أدع علمي إلى جهلهم» (١).
وعن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام قال :
لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم ، ولا ينفذ في الفيء أمر الله عزوجل ، فإنه إن مات في ذلك المكان كان معينا لعدوّنا في حبس حقنا والإشاطة بدمائنا وميتته ميتة جاهلية(٢).
وثمة روايات أخرى تدل على أنّهم عليهمالسلام كانوا لا يشجّعون شيعتهم بل ويمنعونهم من الاشتراك في تلك الحروب ، ولا يوافقون حتى على المرابطة في الثغور أيضا ، ولا يقبلون منهم حتى ببذل المال في هذا السبيل ولو كان نذرا (٣) ، وشرّعوا لشيعتهم أنهم إذا دخلوا في حكومات الجائرين اضطرارا لدفع هجوم العدو عليهم أن يدخلوا دفاعا عن بيضة الإسلام لا عن أولئك الحكّام (٤).
فالأئمة عليهمالسلام يرون حرمة الجهاد مع غير الإمام العاقل كما هو مفاد الخبر المتقدّم عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، فهم روحي وأرواح العالمين لهم الفداء أحرص
__________________
(١) وسائل الشيعة ج ١١ / ٣٢ ح ٢ باب ١٢ (اشتراط وجوب الجهاد بأمر الإمام وإذنه).
(٢) نفس المصدر ج ١١ / ٣٤ ح ٨.
(٣) نفس المصدر ج ١١ / ٢١ ح ١ باب ٧ (حكم من نذر مالا للمرابطة).
(٤) نفس المصدر ج ١١ / ٢١ باب ٧ ح ٢.