يتوافق مع ذاك الظاهر القرآني حيث لا يمكننا تأويل الظاهر. وهنا لا يمكننا تأويل عبوسه مع مخالفته لقانون الرحمة ، ودعوى أنه كان يرجو بإسلام صناديد قريش إسلام غيرهم مردودة لأنه بفعله ذاك لم يدخل أحد منهم ولا غيرهم في الإسلام نتيجة ما فعله بابن أم مكتوم ، هذا مع أنّ العبوس في وجه الضرير لا يترتب عليه فائدة تذكر عند الضرير ، فكان الحريّ أن يرحم ويخصّ بمزيد الإقبال والتعطّف لا أن ينقبض ويعرض عنه.
إذن ، فعبوسه لم يترتب عليه أي فائدة ، لأنه وقع في مورد لا يصحّ أن يقع فيه ، وذلك لأن الضرير لم ير تقطيب حاجبيّ النبيّ ، فيكون عبوسه «عبثا» وهو ما يتنزّه عنه الأنبياء.
٨ ـ إنّ صدور العبوس من النبيّ أيسر ما يقال عنه أنه ذنب صغير لا يجوز عقلا للأنبياء ارتكابه لا حال التبليغ ولا بعده ، وحيث إنّ العبوس وقع حال التبليغ دلّ ذلك على وقوع ذنب صغير أجمع الشيعة على امتناع صدوره عن الأنبياء والأولياء حال التبليغ وبعده. هذا مضافا إلى أنّ الاعتقاد بعبوسه بوجه ذاك المؤمن يعدّ خطأ في الرأي والتشخيص لأن النبيّ ـ بحسب هذه الدعوى ـ أراد أن يؤلّف بين قلوب المشركين ليستميلهم إلى الإسلام مع أنهم لم يدخلوا ، فيكون بهذا قد وقع صلىاللهعليهوآلهوسلم في خطأ ، والخطأ من الرجس ، وهو ما قد تنزّه عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم بنصّ آية التطهير (١).
فالصحيح أن العابس هو رجل من بني أمية ـ أي عثمان بن عفّان بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف (٢) ـ كما دلت عليه الروايات الصحيحة عن أهل بيت العصمةعليهمالسلام ، وقد أيّد ذلك جلّ علماء الإمامية ، والقائل منهم بعكس ذلك شاذ ، والشاذ لا يعوّل عليه.
__________________
(١) «هل العابس هو النبيّ» كتاب مخطوط للمؤلف.
(٢) الكامل في التاريخ ج ٣ / ١٨٤ باب ذكر نسب عثمان وصفته.