منهم ، وكان يقول على صهوات المنابر : من أراد المال فليأتني فإن الله جعلني له خازنا (١).
وسنّة الله وسنة رسوله تأمران بالعدل في توزيع الثروة ، فيعطى المستحق ، لكن الخليفة عثمان نسي ما في الكتاب ، وشذّ عمّا جاء به النبيّ الأقدس في الأموال ، وتزحزح عن العدل والنصفة ، وقدّم أبناء بيته الساقط ، أثمار الشجرة الملعونة في كتاب الله ، رجال العيث والعبث ، والخمور والفجور ، من فاسق إلى لعين ، إلى حلّاف مهين همّاز مشاء بنميم ، وفضّلهم على أعضاء الصحابة وعظماء الأمة الصالحين ، وكان يهب من مال المسلمين لأحد قرابته قناطير مقنطرة من الذهب والفضة من دون كيل ووزن ، ويؤثرهم على من سواهم كائنا من كان من ذي قربى رسول الله وغيرهم ، ولم يكن يجرأ أحد عليه بالأمر المعروف والنهي عن المنكر لما كان يرى من سيرته الخشنة مع اولئك القائمين بذلك الواجب ، ويشاهد فيهم من الهتك والتغريب والضرب بدرّة كانت أشدّ من الدرّة العمريّة مشفوعة بالسوط والعصا.
لقد تمخّض عن سياسة عثمان أمران :
(الأول) : ابتداعه للأحكام اجتهادا منه في مقابل النص ، وقد سبقه إليه من تقدّمه ، ومن لهما الفضل عليه لاستلامه السلطة ، منها :
(اتخاذ الخليفة الحمى له ولذويه): والحمى هي منابت العشب من مساقط الغيث والمروج ، وهي شرع سواء بين المسلمين إذا لم يكن لها مالك مخصوص ، كما هو الأصل في المباحات الأصلية من أجواز الفلوات وأطراف البراري ، فترتع فيها مواشيهم وترعى إبلهم وخيلهم من دون أي مزاحمة بينهم ، وليس لأيّ أحد أن يحمي لنفسه حمى فيمنع الناس عنه ، قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم :
«المسلمون شركاء في ثلاث : في الكلأ والماء والنار» ،
__________________
(١) الأموال لأبي عبيد ص ٢٢٤.