عليهم سبيل ، فكيف رأيتموني صنعت بهم حيث تركوا ما أمرهم الله به من طاعته ، وأمرهم به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١).
قال سلمان : فلمّا أن كان الليل حمل عليّ عليهالسلام فاطمة على حمار ، وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهماالسلام ، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار ، إلا أتاه في منزله فذكرهم حقه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعون رجلا ، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رءوسهم ، معهم سلاحهم ليبايعوا على الموت ، فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة ، فقلت لسلمان : من الأربعة؟ فقال : أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام. ثم أتاهم عليّ عليهالسلام من الليلة المقبلة ، فناشدهم فقالوا : نصبحك بكرة فما منهم أحد أتاه غيرنا ، ثم أتاهم الليلة الثالثة ، فما أتاه غيرنا ، فلما رأى غدرهم وقلة وفائهم له ، لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه ، فلم يخرج من بيته حتى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع. فلما جمعه كلّه وكتبه بيده ، تنزيله وتأويله ، والناسخ منه والمنسوخ ، بعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع ، فبعث إليه عليّ عليهالسلام : إني لمشغول وقد آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي رداء ، إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه. فسكتوا عنه أياما ، فجمعه في ثوب واحد وختمه ، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنادى علي عليهالسلام بأعلى صوته : أيها الناس! إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مشغولا بغسله ، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد ، فلم ينزل الله على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم آية إلا وقد جمعتها ، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله ، وعلمني تأويلها ثم قال لهم علي عليهالسلام : لئلا تقولوا غدا إنا كنا عن هذا غافلين.
__________________
(١) سورة سبأ : ٢٠.