يقرءوا القرآن ، فربّ آية محكمة عند قوم هي متشابهة عند آخرين وبالعكس نظير قوله تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (١) فإنها محكمة في عصرنا بينما كانت متشابهة منذ مئات السنين.
٣ ـ الحكمة من وجود المتشابه هو ألّا يتفرد الإنسان بعقله في فهم كلام الله سبحانه ، لأن كلامه عميق ، يحتوي على معارف عالية جدا ، فهو حمّال ذو وجوه كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام ، يحتوي على تعابير بلاغية متنوعة من المجاز والاستعارة والتشبيه ، فأكسبه ذلك خاصية أن تعطف كل طائفة بما يروقها من آيات لغرض تأميلها إلى الوجه الذي يؤيد مذهبها ، لذا نهى الإمام عليعليهالسلام عن الاحتجاج بالقرآن تجاه أهل البدع والأهواء ، لأنهم يعمدون إلى تأويله بلا هوادة ، حيث قال لابن عبّاس لمّا بعثه للاحتجاج على الخوارج : «لا تخاصمهم بالقرآن ، فإن القرآن حمّال ذو وجوه ، تقول ويقولون ، ولكن حاججهم بالسنّة فإنهم لن يجدوا عنها محيصا».
٤ ـ إن وقوع التشابه في القرآن ـ الكتاب السماوي الخالد ـ شيء لا محيص عنه ، ما دام كان يجري في تعابيره الرقيقة مع أساليب القوم ، في سمو فحواه عن مستواهم الهابط.
فقد جاء القرآن بمفاهيم حديثة كانت غريبة عن طبيعة المجتمع البشري آنذاك ، ولا سيّما جزيرة العرب القاحلة عن أنحاء الثقافات ، في حين التزامه ـ في تعبيراته الكلامية ـ نفس الأساليب التي كانت دارجة ذلك العهد ، الأمر الذي ضاق بتلك الألفاظ ، وهي موضوعة لمعان مبتذلة وهابطة إلى مستوى سحيق ، من أن تحيط بمفاهيم هي في درجة راقية وبعيدة الآفاق ، كانت الألفاظ والكلمات ـ التي كانت العرب تستعملها في تعبيراتها ـ محدودة في نطاق ضيّق حسبما كانت العرب
__________________
(١) سورة النمل : ٨٨.