يكن في الصحابة منافقون ، ولم يرتكب أحد منهم كبيرة ولا صغيرة ولا وقع بينهم ما وقع ، ولا ارتدّ بعضهم بعد موت النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، ولا غير ذلك كله مما حملته كتب التاريخ الصحيحة عنهم ـ فإن أمر أبي هريرة يباين أمر الصحابة جميعا ، فقد جرحه كبار الصحابة ومن جاء بعدهم وشكّوا في روايته.
ويعجبني قول علماء الكلام ـ أصحاب العقول الصريحة ـ في هذا الأمر نفسه ، فقد جاءت عنهم هذه الكلمة الحكيمة وهي «ومن عجيب شأنهم ـ أي رجال الحديث ـ أنهم ينسبون (الشيخ) إلى الكذب ولا يكتبون عنه ما يوافقه عليه المحدّثون ـ بقدح يحيى بن معين وعلي بن المديني وأشباههما ويحتجون بحديث أبي هريرة فيما لا يوافقه عليه أحد من الصحابة ، وقد أكذبه عمر وعليّ [أمير المؤمنين] وعثمان وعائشة.
وما بيّناه من تاريخ أبي هريرة قد سقناه لك على حقيقته ، وأظهرنا شخصيته كما خلقها الله ولم نأت فيها بشيء من عند أنفسنا ، بل أتينا بالروايات الصحيحة فيها ، ورجعنا إلى مصادر ثابتة لا يرقى الشك إليها ، ولا يدنو الريب منها. على أننا قد طوينا كثيرا مما أثبته التاريخ الصحيح ، لأن بعض الناس في دهرنا لا يزالون يخشون سطوة الحقّ ، ولا يحتملون قوة البرهان.
وأبو هريرة لم يكن له أي شأن في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا في عهد الخلفاء الأربعة ، ولم يستطع أن يفتح فاه بحديث واحد إلّا بعد قتل عمر ، ولم يجرؤ على الفتوى إلا بعد الفتنة الأولى وهي قتل عثمان وعلو شأن بني أمية ، وناهيك بالبخاري فإنه لم يذكره بين الصحابة الذين جاءت في فضلهم أحاديث عن رسول الله.
على أنه لا يفوتنا أن نذكر أن فيما رواه أحاديث يبدو منها شعاع من نور النبوة ، ينفذ إلى القلوب السليمة ، ولعلها مما يكون قد سمعه (وضبطه) والحديث الصحيح له ضوء كضوء النهار» انتهى كلامه (١).
__________________
(١) أضواء على السنة ص ٢٢١.