وقوله : «وضع يده أو كفّه على كتفي حتى وجدت برد أنامله على كتفي» كلها أخبار حقيقية ـ بنظرهم ـ وليست مجازية تحمل على غير ظاهرها. وزادوا في الأخبار أكاذيب نسبوها إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأكثرها مقتبسة من أخبار اليهود والنصارى فإن التشبيه فيهم طباع ، حتى قالوا : «اشتكت عيناه ـ أي عينيّ الله سبحانه وتعالى عمّا يقولون ـ فعادته الملائكة ، وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه ، وأن العرش ليئط (١) من تحته كأطيط الرّحل الحديد وأنه ليفضل من كل جانب أربع أصابع» (٢).
وقد تمادى بعضهم فقال : «إن المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا بلغوا في الرياضة والاجتهاد إلى حدّ الإخلاص والاتحاد المحض .. وحكى عن داود الجواربي أنه قال : اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عمّا وراء ذلك ، وقال : إن معبوده جسم ولحم ودم ، وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس ولسان وعينين وأذنين .. وقال أيضا : إن ربّه أجوف من أعلاه إلى صدره مصمت ما سوى ذلك ، وأن له وفرة سوداء وله شعر قطط» (٣).
إلى غير ذلك من المعتقدات الباطلة التي يردّها حكم العقل السليم القائل بأن الله تعالى منزه عن الجسمية ولوازمها.
قال الشهرستاني : «إن جماعة كثيرة من السلف يثبتون صفات خبرية مثل اليدين والوجه ، ولا يؤولون ذلك .. ثم إن جماعة من المتأخرين زادوا على ما قاله السلف ، فقالوا لا بدّ من إجرائها على ظاهرها ، فوقعوا في التشبيه الصرف .. ولقد كان التشبيه صرفا خالصا في اليهود.
وقال من توقف في التأويل : عرفنا بمقتضى العقل أن الله تعالى ليس كمثله شيء فلا يشبه شيئا من المخلوقات ، ولا يشبهه شيء منها ، وقطعنا بذلك إلّا أنّا
__________________
(١) الأط : إحداث الصوت من ثقل ما يحمل.
(٢) الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ١٠٦ ، ط / دار المعرفة.
(٣) المصدر نفسه ج ١ / ١٠٥.